فصل: الفصل السابع في الحضومات أربعة في الرق والحرية والشهادة على ذلك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحيط البرهاني في الفقه النعماني



.كتاب العتاق:

هذا الكتاب يشتمل على أحد عشر فصلًا:
1- في الألفاظ التي يقع بها العتق.
2- في الألفاظ التي لا يقع بها العتق.
3- في تعليق العتق وإضافته وما هو بمعناهما.
4- في العتق المبهم.
5- في إعتاق بعض الرقيق.
6- في عتق ما في البطن.
7- في الخصومات أربعة في الرق والحرية والشهادة على ذلك.
8- في تفويض العتق إلى غيره.
9- في التدبير.
10- في أمهات الأولاد.
11- في المتفرقات.

.الفصل الأول في الألفاظ التي يقع بها العتق:

نوعان: صريح وكناية، فالصريح لفظ العتق والحرية، وهما لغتان أي لفظان.....: لا يعتبر فيهما النية؛ لأن النية إنما تعتبر فيما إذا كان مراد المتكلم مشتبهًا والاشتباه في..... فإن استعمال اللفظ لما وضع أصل ويثبت العتق بهذين اللفظين سواء ذكرهما على سبيل الصفة نحو قوله: أنت حر أنت عتيق أو على سبيل وحررتك الإخبار نحو قوله: أعتقتك وحررتك أو على سبيل الصفة نحو قوله: أنت حر أنت عتيق أو على سبيل النداء. نحو قوله: يا حر يا عتيق أو على الإشارة نحو قوله: هذا حر وهذا عتيق.
قال محمد رحمه الله: في (الأصل): وإذا قال لعبده: أنت حر لوجه الله تعالى عتق قال مشايخنا رحمهم الله: ذكر وجه الله ليس على سبيل الشرط بدليل أن محمدًا رحمه الله ذكر في (الكتاب): إذا قال لعبده: أنت حر لوجه الشيطان إنه يعتقد.
والأصل فيه قول عمر رضي الله عنه من تكلم بطلاق أو عتاق فهو جائز عليه من غير فصل لكن ذكر وجه الله لبيان أُنه قصد بالعتق القربة.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: أن من أشهد أن اسم عبده حر ثم ناداه يا حر لا يعتق ولو دعاه بالفارسية يا اداد يعتق لأن في الوجه الأول دعاهُ باسمه، وفي الوجه الثاني دعاه بغير اسمه وعلى هذا لو سماه اداد ثم دعاه باداد لا يعتق ولو سماه يا حر يعتق.
وذكر في بعض نسخ (الأصل) إذا قال له: يا عتق يعتق نوى أو لم ينو، لأن العتق مصدر والمصدر يقوم مقام الاسم: ولو قال لعبده: يا حر أو قال لأمتهِ يا حرة وقال: أردت به اللعب يعتق ديانة وقضاء؛ لأن الجد واللعب في العتق على السواء.
ولو قال: أردت به الكذب لا يتعلق ديانة لأن الكذب لا يتعلق به حكم إلا أن القاضي لا يصدقه في دعوى الكذب، لأنه دعوى أمر بخلاف الظاهر لأن الظاهر في الخبر الصادر عن عقل ودين أن يكون صدقًا أما الله تعالى مطلع على الضمائر والظواهر جميعًا. والخبر في نفسه محتمل للصدق والكذب ويصدق ديانة لهذا إلا أن احتمال الكذب إنما يتأتى في الإخبار لا في إيجاب ولا يصدق في دعوى الكذب في الإيجاب.
ولو جرى لفظة التحرير على لسانه خطأ بأن أراد أن يقول لعبده: اسقني فقال له: أنت حر أو جرى لفظة أنت طلالق على لسانه خطأ بأن أراد أن يقول لها: افعلي كذا فقال لها: أنت طالق فالطلاق وقع باتفاق الروايات، وفي العتاق روي عن أبي حنيفة: لا يقع.
وفي (المنتقى): ابن سماعة في رجل جالس مع قوم وأمته كانت قائمة بين يديه فسألها رجل أمة أنت أو حرة فأراد المولى أن يقول ما سؤالك عنها أنها أمة أو حرة فعجل في القول وقال: هي حرة إنه يعتق في القضاء ولا يعتق فيما بينه وبين الله تعالى.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: إذا بعث الرجل غلامه إلى بلدة وقال له: إذا استقبلك رجل فقل: إني حر فذهب الحر فاستقبله رجل فسأله فأجاب بما قال المولى فإن كان قال له المولى: سميتك حرًا فقل إني حر لا يعتق أصلًا، لأن قوله بأمر المولى إني حر كقول المولى هو حر والمولى لو قال بغلامه بعدما سماه حرًا هذا حر لا يعتق وإن لم (يقل) المولى سميتك حرًا يعتق قضاء لا ديانة. كما لو قال المولى: هو حر وأراد به الكذب دون التحقيق وعلى هذا إذا قال لجماعة تذهبون مع غلامه إذا استقبلكم أحد فقال لو قال آرادست.
وفي (المنتقى): إذا قال لعبده: إذا مررت على التي أشر فسألك فقل: أنا حر فهو عليه فسأله فقال: أنا حر عتق ولا يعتق قبل ذلك ألا ترى لو قال لعبده ابتداء قل أنا حر عتق ولا يعتق ما لم يقل أنا حر وإذا قال ذلك يعتق كذا هاهنا.
وفي (واقعات الناطقي) إذا قيل: عبيد أهل بلخ أحرار وهو من أهل بلخ ولم ينو عبده أو قال كل عبد أهل بغداد أحرار وقال كل عبد أهل بلخ أحرار ولم ينو عبده قال أبو يوسف: لا يعتق عبده.
وكذلك إذا قال: كل مملوك ببغداد حر لا يعتق عبده وإن كان عبده ببغداد إلا أن ينويه عند أبي يوسف قال: لأن هذا أمر عام وبقوله أخذ عصام بن يوسف.
وذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله: أنه يعتق عبده في هذه الصور كلها وبقوله أحد شداد ببغداد هذا بخلاف الطلاق.
وعلى هذا الخلاف إذا قال كل عبد في هذا المسجد يعني المسجد الجامع يوم الجمعة فهو حر وعبده في المسجد إلا أنه لم ينو عبده أو قال كل امرأة في هذا. المسجد يعني المسجد الجامع يوم الجمعة طالق وامرأتهُ في المسجد الجامع إلا أن ينويها.
ولو قال: كل عبد في هذه السكة حر أو قال: كل عبد في هذه الدار حر وعبده في الدار والسكة عتق وإن لم ينو بلا خلاف.
ولو قال: ولد آدم كلهم أحرار لا يعتق عبده إلا بالبينة بالاتفاق.
وفي (نوادر ابن سماعة): عن محمد رحمه الله أيضًا: إذا قال: كل عبد يدخل هذه الدار فهو حر أو قال كل عبد يملكني بشيء فهو حر فدخل الدار عبد له أو كلمه عبد له عتق.
وكذلك إذا قال: كل عبد في الأرض حر عتق عبده ولم يرو عن أبي يوسف في هذين الفصلين شيء.
وفي (نوادر ابن سماعة): عن محمد رحمه الله أيضًا: رجل قال: قد أعتق كل رجل عبده ثم اشترى عبدًا لم أعتق العبد الذي اشتراه منه بهذا القول منه لأني أعلم أنه قيمة كاذب قال: وأما المسائل المتقدمة فيمن أوقع بها العتق فأوقع بها ما أوقعه منه على عبده.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: إذا قال لعبده: أنت حر أو قال لأمته: أنت حرة عتق ولو قال لرجل يا زانية لا يحد.
وفي (الأصل): إذا قال لعبده: أنت حر من عمل كذا أو قال: أنت حر اليوم من هذا العمل عتق في القضاء؛ لأنه وصفهُ بالحرية وتخصيصه وقتًا أو عملًا لا يعتبر حكم ما وصفه به فأما فيما بينه وبين الله تعالى إن كان لم يرد به العتق فهو عبده؛ لأنه يحتمل أن يكون مراده لا أكلفك اليوم هذا العمل والله تعالى مطلع على ما في ضميره كنه خلاف الظاهر فإنه جعل الحرية صفة له في الظاهر فلا يصدقه القاضي.
وفي (نوادر بشر) عن أبي يوسف: إذا قال لأمتهِ: أنت حرة من هذا العمل يعني به قد أعتقتك منه فهي حرة في القضاء. قال: ولا يشبهه قوله لامرأته: أنت طالق من وثاق.
وفي (المنتقى): عن أبي يوسف رحمه الله: رجل قال: لأمتهِ فرجك حر عن الجماع قال: تعتق في القضاء.
وفي (المنتقى) أيضًا: رجل له عبد فدخل له دمه بالقصاص فقال له: قد أعتقتك ثم قال: عنيت العتق عن الدم، فإنه في القضاء على الرق ويلزمه العفو بإقراره أنه عناه ولو لم يقل عنيت العتق عن القتل لم يلزمه العفو.
ألا ترى أنه لو قال: عنيت العتق عن الرق كان له أن يقتله لأن وجه الكلام على ذلك كذا هاهنا ولو اعتقه لوجه الله عن القصاص بالدم كان كما قال.
ولو كان له على رجل قصاص فقال قد أعتقتك فهو عفو استحسانًا. ولو قال له أعتقتك من القصاص أو من القتل فهو عفو قياسًا واستحسانًا.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله سئل أبو بكر الإسكاف رحمه الله: (عن) رجل قال لعبده نواراد توارمني قال: لا يعتق لأنه يراد به التشبيه ألا ترى أنه لو قال لآخر أنت أزنى الناس لا يكون قاذفًا قال الفقيه أبو الليث رحمه الله هذا إذا لم ينو العتق. فأما إذا نوى العتق يعتق؛ لأنه نوى ما يحتمله لفظهُ.
ألا ترى أنه لو قال لامرأته: أنت أطلق من فلانة وفلانة مطلقة ونوى الطلاق تطلق كذا هاهنا، وقيل: يجب أن يعتق بدون النية.
وفي (المنتقى): إذا قال لعبده: أنت أعتق من فلان يعني به عبدًا آخر له وعنى به أنت أقدم في ملكي دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء ويعتق.
ولو قال: أنت أعتق من هذا في ملكي أو قال: في السر لم يعتق أصلًا، وكذلك إذا قال له: أنت عتيق السن، ولو قال له: أنت حر النفس يعني في أخلاقك وأفعالك لم يعتق أصلًا.
وفيه أيضًا: إذا قال الرجل لغيره قل: لغلامي إنك حر أو قال: قل له إنه حر عتق في القضاء ساعة تكلم.
ولو قال له: أنت حر لم يعتق حتى يقول له أنت حر، وهذا على الوكالة كأنه وكله بعتقهُ.
هشام قال: سمعت أبا يوسف قال: في رجل قال لثوب خاطه مملوكة هذه خياطة حر بالإضافة أو قال: له إنه مملوكة هذه وإنه حر قال: لا يعتق في شيء من هذه أو قال في رجل قال لمملوكه أنت مولى فلان أو أنت عتيق فلان فهو حر، ولو قال أعتقتك فلان فليس بشيء.
والفرق: أن في الفصل الأول أخبر عن عتقه ولا يتحقق العتق فيه إلا بإعتاقهِ إياه فيصير مقرًا بإعتاقهِ إياهِ وإقرارهُ حجة عليه.
وفي الفصل الثاني: أخبر عن إعتاق فلان وقد يتحقق إعتاق فلان من غير إعتاقه فلا يصير مقرًا بإعتاقه والله (أعلم) بالصواب.

.الفصل الثاني في الألفاظ التي لا يقع بها العتق:

في (المنتقى): إذا قال لأمته أنت مثل هذه وأشار إلى امرأة حرة لم يعتق إلا أن يقول أردت أنها حرة مثل هذه.
وكذا إذا قال لامرأة حرة أنت مثل هذه الأمة وأشار إلى أمته لا تعتق أمته إلا أن هاهنا لو أراد التشبيه في الحرية لا تعتق أمته بخلاف الفصلين المتقدمين.
وفيه أيضًا: إذا قال: كل مال لي حر وله رقيق لا يعتق واحد منهم لأن محل الرقيق لا مطلق المال فهذا الكلام لم يلاق محله فلا يصح، وفيه إذا قال لعبده نسبك حر أو قال أصلك حر فإن كان يعلم أنه سبي لم يعتق وإن كان لا يعلم أنه فهو حر؛ لأن في الوجه الأول ما أقر بحريته لا نصًا ولا ضرورة الإقرار بحرية إذ ليس من ضرورة حرية الأصل المسبي حريته فالكفار كلهم أحرار قبل الظهور عليهم ويثبت حكم الرق في أولادهم بالاستيلاء على الأولاد وهو معنى قولنا: إنه ما أقرَّ بحريته وفي الفصل الثاني صار مقرًا بحريته ضرورة الإقرار بحرية أصله فإن من ضرورة حرية أصل غير المسبي حريتهُ والثابت ضرورة والثابت صريحًا سواء.
أو نقول في الوجه الأول هو صادق في مقالته لأن المسمى نسبه حر وأصله حر فلا ضرورة إلى الحكم بحرية الولد أما غير المسمى لا يكون نسبه حرًا إلا أن يكون هو حر لأن حرية الأبوين تقتضي حرية الولد إلا أن يجري السبي على الولد فإذا لم يجر تثبت هذه اللفظة موجبة حرية الولد.
ولو قال له: أبواك حران لم يعتق على كل حال؛ لأنه يجوز أن يكون الأبوان حرينن ويكون رقيقهُ بأن عتق أبواه بعد ولادتهِ إذا قال لعبدهِ عتقك عليّ واجب لا يعتق بخلاف ما لو قال طلاقك علي واجب.
هكذا ذكر في (الفتاوى للفضلي): والفرق: أن العتق قد يجب في الجملة فلم يقتضِ هذا اللفظ وقوع العتق بخلاف الطلاق لأن الطلاق لا يجب بحال وإنما يجب حكمهُ بعد وقوعه فاقتضى هذا وقوع الطلاق.
وقد ذكر القدوري في (شرحه) في مسألة الطلاق عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله بخلاف ما ذكر هاهنا، وقد ذكرنا ذلك في كتاب الطلاق.
وإذا قال لعبده رأسك حر أو قال بدنُكَ حر فالكلام في العتق نظير الكلام في الطلاق ففي كل ما يقع به الطلاق بالإضافة إليه لا يقع العتق بالإضافة إليه قد مر فصل الطلاق في كتاب الطلاق، وعن أبي يوسف رحمه الله فيمن قال لغلامه: ركبك حر إنه يعتق كما لو قال فرجك حر.
إذا قال لعبده: رأسك رأس حر، أو قال بدنك بدن حر قال: لا يعتق بالإضافة عنده؛ لأن معناهُ مثل رأس حر، مثل بدن حر، وإنه تشبيه والتشبيه لا يقتضي المساواة من كل وجه. ولو قال: رأسك رأس حر بدنك بدن حر عتق، لأن هذه صفة وليس بتشبيه، ولو قال: ما أنت إلا مثل الحر لا يعتق لأن هذا تأكيد في التشبيه والتشبيه لا يوجب العتق. ولو قال ما أنت إلا حر عتق لأن كلامه اشتمل على النفي والإثبات وهذا أكذ ما يكون في الإثبات فكان هذا وقوله: أنت حر سواء، ولو أن عبدًا قال لمولاه: إرادي من يبداكن فقال المولى: إرادي يو كردم لا يعتق العبد؛ لأنه يحتمل أنه أظهر بالتعليق لا بالتنجيز.
رجل قال لعبده انت..... مملوك فهذا الا يكون عتقًا منه ولكن ليس له أن يدعيه وإن مات لا يرثه بالولاء وإن قال المملوك بعد ذلك إني مملوك له فصدقه كان مملوكًا رواه إبراهيم عن محمد رحمه الله.
وفي (الفتاوى) عبد أخذ منديل مولاه ووصفهُ بحسنه فقال المولى: بارخداي مرادساد من مي باين بارندحود بير لا يغير العبد بهذا اللفظ لأن معناه أين يدرك مرا وبهذا لا يثبت العتق، لأنه استهزاء. إذا قال لعبده باسدا، وقال: باسدين أو قال لأمته باسده أو قال لها: يا سيدف أو قال له: بالواد مردا أو قال: بامرادمرد من أو قال لها: يا ازادون أو قال: يا ارادرن من أو قال لها: يا كدبا نواياكد ترى من، فإن نوى العتق في هذه المسائل يثبت العتق بلا خلاف وإن لم ينو العتق اختلف المشايخ فيه.
واختيار الفقيه أبي الليث أنه لا يعتق لأنه يراد ببعض هذه الألفاظ اللفظ وببعضها الإنشائية وليس فيه ذكر ما يختص بإعتاقه إياه ولو قال لغلامه: يا ازاد مرد بدون حرف الألف لا يعتق وإن نوى العتق هكذا حكي عن الفقيه أبي بكر ولو قال لغلامه: أنت مولاي أو قال له: يا مولاي اختلف المشايخ فيه وذكر الكرخي أنه يعتق ولا يحتاج فيه إلى النية.
وقال هشام: سألت محمدًا رحمه الله عمن قال لغلامه: يا مولاي أو قال لأمته: يا مولاتي قال: يعتق. قلت: وإن قال: يا سيدي يا سيدتي قال: لا يعتق وهذا ليس بشيء.
وقال إبراهيم بن رستم سمعت محمدًا رحمه الله يقول: لا يعتق في النداء إلا في خصلتين يا حر ويا حرة يا مولاي ويا مولاتي قال: وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وهذا لأن لفظ المولى وإن كان لفظًا مشتركًا فإنه يذكر بمعنى الناصر قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ} [محمد: 11] ويذكر بمعنى ابن العم قال الله تعالى: {وإني خفت الموالي من ورائي} ويذكر بمعنى المولى الأعلى ويذكر بمعنى المولى الأسفل إلا أنه يعتق مولى الأسفل هاهنا لأن المولى لا يستنصر بعبده عادة وليست العبد معروف ما ينفي معنى الناصر، ومعنى ابن العم وكذلك المولى الأعلى منتف وإنه ظاهر فتعين معنى مولى الأسفل وإنما لا يحتاج إلى النية لأن اللفظة المشترك إذا تعين فيه بعض وجوهه كان الحكم في ذلك الوجه ثابتًا بطريق الحقيقة فلا يحتاج فيه إلى النية.
إذا قال اين كوجه من است ذلك قال: لغلامه أو لأمته يعتق هل يعتق فيه اختلاف المشايخ واختيار الصدر الشهيد الكبير برهان الأئمة رحمه الله أنه لا يعتق لأنه لا يراد به التحقيق. ألا ترى أنه يقال في العرق ابن كو مكان امن ديدايد ولا يراد به التحقيق وإذا قال لغلامه: أي جاف بدر لا يعتق في باب بنيته..... وإذا قال لغلامه بالفارسية: تاتو بسنده من بودي بعد ابستواند ربودم واكنوكي ينستي بعداب توازرم فقد قيل: إنه يعتق في القضاء لأنه أقرب بالعتق.
وقيل: لا يعتق بدون النية عند أبي حنيفة رحمه الله كما في قوله لامرأته: لست لي بامرأة وأشباه ذلك وهذا لأنهُ ليس من ضرورة أن لا يكون عبده أن يكون حرًا لجواز أن يكون عبد غيره وسيأتي بعد هذا ما يؤكد هذا القول. قال: لجارية: وجهك أضوأ من الشمس... عندك لم تعتق لأن هذا للطف لا للتحقيق رجل قال لعبدهُ: وهبت لك نفسك، بعت منك نفسك عتق قبل أو لم يقبل نوى أو لم ينوِ.
وكذلك إذا قال له وهبت لك رقبتك فقال: لا أريد عتقًا وذكر مسألة هبة الرقبة في موضع آخر وقال يعتق والأول أصح لأن الهبة والبيع يقتضيان زوال الملك إلا أنه أوجبه لا....... يكون من...... الملك إليه فيشترط قبوله.
وإذا أوجبه العبد يكون مزيلًا للملك بطريق الإسقاط فلا يشترط القبول وإذا قال لعبده لا سبيل لي عليك فإن نوى العتق يعتق وإن لم ينو لا يعتق؛ لأن هذا اللفظ يحتمل وجوهًا شتى: يحتمل لا سبيل لي عليك عقوبة ولومًا لأنك وفيت بما أمرتك به ويحتمل لا سبيل لي عليك لأني بعتك ويحتمل لأني أعتقتك.
وكذلك إذا قال: لا ملك لي عليك لا يعتق ما لم ينو، لأنه يحتمل وجهًا آخر سوى العتق، يحتمل لا ملك لي عليك لأني بعتك؛ لأني وهبتك.
وكذلك إذا قال: خرجت عن ملكي، خليت سبيلك لا يعتق ما لم ينوِ؛ لأنه يحتمل وجهًا آخر سوى (هذا) وهذه المسائل تؤكد القول الثاني في المسألة الثانية التي تقدم ذكرها. وروي عن محمد رحمه الله أنه إذا قال له: لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فهو حر في القضاء ولا يصدق أنه لم يرده لأنه لما استثنى سبيل الولاء فقد عين في نفي السبيل جهة الحرية، ولا ولاء إلا بعد الحرية.
ولو قال إلا سبيل الموالاة دين في القضاء لأن الطلاق الموالاة ينصرف إلى الموالاة في الدين، وإن جاز أن يعبر بها عن ولاء العتق، ولو قال له اذهب حيث شئت توجه أينما شئت في بلاد الله لا يعتق وإن نوى؛ لأن هذا يستدعي زوال يد المولى عنه وزوال يد المولى عن العبد لا يوجب العتق.
ولو قال له لا سلطان لي عليك فنوى به العتق لا يعتق، بخلاف ما إذا قال لا سبيل لي عليك ونوى به العتق، والفرق: أن السبيل في اللغة عبارة عن الطريق المسلوك؛ لأن العمل بحقيقته غير ممكن إذا أضيف إلى العبد؛ لأن العبد ليس بطريق المسلوك، فيجعل كناية عن الملك؛ لأن الملك في العبد لمعنى الطريق، لأن الطريق ما يتوصل به إلى غيره والملك في العبد مما يتوصل به في التصرفات شرعًا، فكأنه قال لا ملك لي عليك. ولو قال لا ملك لي عليك ونوى به بالعتق يعتق، كذا هاهنا، فأما السلطان في اللغة: يذكر ويراد به الحجة، ويذكر ويراد به الاستيلاء واليد، فكأنه قال لا حجة لي عليك لا يد لي عليك، ولو نص على هذا لا يعتق وإن نوى، كذا هاهنا.
فرق بين قول لا ملك لي عليك من كنايات العتق، ولم يجعل قوله لا يد لي لا حجة لي عليك من كنايات العتق، والفرق أن قوله لا يد لي عليك يتعرض لنفي اليد، لا لنفي الملك واليد تنتفي من غير انتفاء الملك كما في الإجارة والكناية، ولو جعل كناية عن العتق وفيه إزالة اليد والملك يؤدي إلى أن يثبت باللفظ أكثر مما وضع له اللفظ وإنه يجوز، وكذا قوله: لا حجة لي، يتعرض لنفي الحجة لا لنفي الملك، والتقريب ما مر.
قوله لا ملك لي عليك يتعرض لنفي الملك مطلقًا الرقبة واليد فيه سواء، ولو جعل كناية عن العتق، وفيه إزالة ملك الرقبة واليد، لا يؤدي إلى أن يثبت باللفظ أكثر مما وضع له اللفظة، فلهذا افترقا.
وإذا قال لأمته أنتِ طالق، أو ذكر شيئًا من كنايات الطلاق، نحو قوله: بنت مني أو حرمتك أو أنت خلية، أو ما أشبه ذلك وهو ينوي العتق لا يعتق في جميع ذلك عندنا، وعند أبي يوسف إذا قال لأمته اللفظ ونوى العتق عتقت؛ لأن الإطلاق يقتضي زوال اليد فهو بمنزلة قوله خليت سبيلك، ولو قال فرجك علي حرام يريد به العتق، لا يعتق لأنه جزء من المنفعة على نفسه، وتحريم المنفعة بجامع الرق، ألا ترى لو اشترى أخته من الرضاعة، أو اشترى جارية وطئ أمها صح وإن كانت المتعة حرامًا عليه.
وعن أبي يوسف رحمه الله فيمن قال لأمته: ألف نون تاء حاء راء أو قال لامرأته ألف نون تاء طاء ألف لام قاف إنه إن نوى الطلاق والعتاق تطلق المرأة، وتعتق الأمة، هذا بمنزلة الكناية؛ لأن هذه الحروف يفهم منها ما عدا المفهوم من صريح الكلام، إلا أنها لا تستعمل لذلك، فصار كالكناية في حق الافتقار إلى النية.
وإذا قال لعبده: هذا ابني ومثله يولد لمثله عتق العبد، سواء كان معروف النسب أو كان مجهول النسب وإن كان مثله لا يولد لمثله عتق العبد عند أبي حنيفة رحمه الله، خلافًا لهما، فاحتج محمّد رحمه الله على أبي حنيفة رحمه الله، فقال: ألا ترى أنه لو قال لغلامه هذه ابنتي أو قال لجاريته هذا ابني، فإنه لا يعتق، من مشايخنا رحمهم الله من قال: هذه المسألة على الخلاف أيضًا ومحمّد رحمه الله كثيرًا ما يستشهد بالمختلف على المختلف، ويكون غرضه نقل الكلام إلى ما هو أوضح. ومنهم من قال لا بل تلك المسألة على الوفاق وهو الأظهر.
وإذا قال لعبده يا أبي ذكر في (النوادر) أنه يعتق وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يعتق، وهو الصحيح. فعلى ما ذكر في (النوادر) لا يحتاج إلى الفرق، والفرق وهو أن النداء لاستحضار المنادى وذلك بذكر ما هو وصف تعضية الأصل حتى يعلم أنه هو المقصود بالنداء، فإذا ناداه بوصف يملك إيجابه فيه كما في قوله يا حرّ يجعل ذلك بمنزلة الإيجاب، ليكون النداء بما هو وصف له، وإذا ناداه بوصف لا يملك إيجابه فيه كما في قوله: يا أبي لا يمكن أن يجعل ذلك بمنزلة الإيجاب ليكون النداء بما وصف له، فيكون الاستحضار لصورة اللفظ ووقوع العتق بقوله ابني باعتبار معنى هذا اللفظ، وهو البنوة لا باعتبار الصورة فلهذا لا يقع الإعتاق، ولو قال لغلامه يا أخي يا عمي أو قال لأمته يا أختي يا عمتي يا خالتي لا يعتق وهو بناء على ما قلنا.
ولو قال لغلامه: هذا عمي ذكر في بعض النسخ أنه لا يعتق ومن مشايخنا من قال: يعتق هكذا ذكر شيخ الإسلام في (شرحه) وفي (مجموع النوازل) لو قال لغلامه هذا عمي، وقال هذا خالي أو قال لأمته هذه عمتي هذه خالتي يعتق. ولو قال هذا أخي، أو قال هذه أختي، لا يعتق لأن الأخ اسم مشترك، يذكر ويراد به الأخ من حيث الدين، ويذكر ويراد به الأخ من حيث القبيلة، ويذكر ويراد به الأخ من حيث النسب، والمشترك لا يكون حجة بدون البيان حتى لو قال هذا أخي لأبي، أو قال لأمي يعتق عليه ولا كذلك اسم العم، واسم الخال، وروى الحسن عن أبي حنيفة في قوله هذا أخي، هذه أختي أنه يعتق.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: إن قال لغلامه هذا ولدي الأكبر عتق في القضاء؛ لأنه أقر بالبنوة والإقرار بالعتق، ولا يعتق ديانة؛ لأن هذه الكلمة تستعمل للعتاق والتشبيه.
عبد في يدي رجل (حتى) له أهذا ابنك، فأشار برأسه أي نعم ثبت النسب منه، والفرق: هو أن العتق يتعلق ثبوته بالعبارة، (والإشارة) لا تقوم مقام العبارة عند القدرة عليها، أما النسب لا يتعلق ثبوته بالعبارة ألا ترى أن الولد المولود على الفراش ثابت النسب من صاحب الفراش، وإن لم يصرح به، فجاز أن يثبت بالإشارة إذا قال لعبده أنت لله، لم يعتق في قول أبي حنيفة رحمه الله وإن نوى؛ لأنه وصفه بوصف هو ثابت قبل وصفه فإن جميع الأشياء لله تعالى، والعتق لا يثبت إلا ثابتًا من وصف لا يوصف به المملوك قبل العتق، وقال أبو يوسف يقع العتق إذا نوى؛ لأن العتق يقع لله تعالى غالبًا، فإذا نوى العتق بهذا اللفظ فكأنه قال أنت حرٌّ لله تعالى، وهكذا روي عن محمّد رحمه الله وقال هشام سألت أبا يوسف عن رجل قال في صحته أو مرضه جعلتك لله تعالى، قال إن نوى العتق عتق، وإن لم ينوِ العتق أو مات ولم يبين لم يعتق لأنه يحتمل أنه أراد به النذر، ويحتمل أنه أراد به العتق فلا يتعين لأحدهما إلا بالنيّة وإذا مات لم يلزموا الورثة بشيء؛ لأن النذر يسقط بالموت، ولو قال له أنت عبد الله لا يعتق بالإجماع.
وفي (العيون): إذا قال لأمته الحامل أنت حرة وقد خرج منها بعض الولد، إن كان الخارج أقل يعتق، وإن كان الخارج أكثر لا يعتق؛ لأن للأكثر حكم الكل لا لما دونه، وذكر هشام والمعلى عن أبي يوسف فيمن قال لأمته الحبلى وقد خرج نصف بدن الولد أنت حرة، إن كان الخارج النصف سوى الرأس، فهو مملوك فإن كان النصف من جانب الرأس ومعناه أن يكون الخارج من البدن مع الرأس بصفاته الولد حر، والله أعلم بالصواب.

.الفصل الثالث في تعليق العتق وإضافته وما هو بمعناهما:

ذكر في (المنتقى) إذا قال لمملوكه إن ملكتك فأنت حر، عتق حين سكت، والملك الحادث بعد اليمين ملك، وهذا..... صححت وهي صحيحة.
في (مجموع النوازل) إذا قال لعبده إذا سقيت الحمار فأنت حر، فذهب العبد بالحمار إلى الماء ولم يشرب الماء عتق العبد لأنه قد سقاه.
في (المنتقى) رجل قال إن اشتريت عبد فلان، فقد صار حرًا، أو قال فقد جرى فيه العتق فاشتراه عتق، ولو قال إن اشتريت عبد فلان عتق، أو قال جرى فيه عتق فاشترى لا عتق روى خالد بن صبح عن أبي يوسف في رجل قال: كلما دخلت هذه الدار، فعبدي حر، وله عبيد فدخلها أربع مرات وجب عليه بكل دخلة عتق يوقعه على أيّهم شاء واحدًا بعد واحد.
إبراهيم بن رستم عن محمّد رحمه الله: رجل قال لعبده أنت حر على أن تدخل الدار فهو حر دخل أو لم يدخل، وعنه أيضًا: إذا قال لعبده أنت حر على أنه إن بدا لي رددتك جاز العتق وبطل الشرط، وقال إذا كان شرطه في شيء يجب عليه، أي على العبد فلا شيء عليه ولا تثبت الحرية ما لم يقبل. وإذا كان الشرط في شيء لا يجب عليه، فهو حر قبل أو لم يقبل.
إذا قال لعبده إن شتمتك فأنت حر ثم قال لا بارك الله فيه، لا يعتق؛ لأن هذا ليس بشتم بل دعاء عليه.
رجل قال لمكاتبه إن أنت عبدي، فأنت حر لا يعتق؛ لأن في كونه عبدًا له قصور، وهو نظير ما لو قال لمطلقته طلاقًا بائنًا: إن أنت امرأتي فأنتِ طالق لا تطلق لأن في كونها امرأة له قصور.
رجل قال لعبد على رجل إن وهبك مولاك مني فأنت حر، فوهبه منه فهذا على وجهين: أما إن كان العبد في يد الواهب وفي هذا الوجه لا يعتق العبد قبل أو لم يقبل سُلِّم إليه، أو لم يُسلَّم؛ لأنه انحلت اليمين بنفس الهبة ولا ملك، وأما إن كان العبد وديعة في يد الموهوب له، وهو الحالف، فإنه على وجهين: إن بدأ الواهب، فقال: وهبته منك لا يعتق قبل الموهوب له أو لم يقبل؛ لأن اليمين انحلت بنفس الإيجاب، ولا ملك وإن بدأ الموهوب له وهو الحالف، فقال: هبه مني فقال صاحب العبد وهبته منك عتق العبد؛ لأن القبول لما سبق والعبد معتق منه يثبت الملك كما وهبه منه، فتنحل اليمين بالهبة والملك ثابت، فهذا عتق ذكره الصدر الشهيد رحمه الله في باب العتق.
وفي (النوازل) إذا قال الرجل كل عبد أشتريه فهو حر، فاشترى عبدًا شراءً فاسدًا ثم اشتراه ثانيًا شراءً صحيحًا لا يعتق؛ لأن اليمين انحلت بالشراء الفاسد، لأن الشراء الفاسد شراء حقيقة لكن لم يعتق العبد لانعدام الملك، لانعدام شرطه وهو القبض فلا تنحل بالشراء الصحيح، وهذا بخلاف ما لو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فتزوج امرأة نكاحًا فاسدًا، ثم تزوجها ثانيًا نكاحًا صحيحًا تطلق؛ لأن هناك باليمين لا تنحل بالنكاح الفاسد؛ لأن النكاح الفاسد ليس بنكاح على الحقيقة وإذا لم تنحل اليمين بالنكاح الفاسد تنحل بالنكاح الصحيح، فلهذا افترقا.
وفي (الروايات) عبد بين رجلين قال أحدهما للعبد: أنت حر على ألف درهم، فقبل العبد ذلك، عتق نصيبه لا غير عند أبي حنيفة رحمه الله، ولا يلزمه إلا خمسمائة؛ لأن الألف مقابل بجميع الرقبة، ولم يعتق من جهته إلا نصف الرقبة ويرجع الشريك الآخر على المعتق بنصف ما قبض من العبد؛ لأنه كسب شخص نصفه مملوك للساكت، ثم يرجع المعتق على العبد بنصف ما أخذ منه لأن المأخوذ من العبد نصف الرقبة، وقد سلم للعبد نصف الرقبة ولم يسلم للمولى إلا نصف البدل، فرجع عليه بالنصف الآخر، ولو كان قال: نصيبي منك حر على ألف درهم، فقبل العبد ذلك عتق نصفه لا غير عند أبي حنيفة رحمه الله وكان على العبد ألف درهم هاهنا للمعتق، بخلاف الفصل الأول.
والفرق في هذا الفصل الألف تجزيه نصيبه وقد سلم له ذلك، فيلزمه كل الألف، ولا كذلك في الفصل الأول، ويرجع الساكت على المعتق بنصف ما قبض من العبد، ثم المعتق يرجع بذلك على العبد لما مر.
وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله، وأما قول أبي يوسف ومحمّد رحمهما الله إذا أعتقه أحدهما، أو أعتق نصيبه عتق الكل؛ لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ، فكان على العبد ألف درهم في الوجهين؛ لأن الألف مقابل بجميع الرقبة وقد سلم للعبد جميع الرقبة من جهته، ويرجع الساكت على المعتق بنصف ما أخذ من العبد، ثم المعتق يرجع بذلك على العبد، هكذا وقع في بعض النسخ، ووقع في بعض النسخ: ولا يرجع الساكت على المعتق بما أخذ من العبد، قالوا: تأويل ما ذكرنا أن الساكت يرجع على المعتق بأن يكون المؤدى كسب الرق، فيكون كسب عبد مشترك، وتأويل ما ذكرنا أن الساكت لا يرجع أن المؤدى كسب ما بعد الإعتاق، وعندهما الإعتاق لا يتجزأ وكان هذا كسب حر عندهما.
وفي أبواب البيوع من (الزيادات) إذا قال لعبده: أنت حر بألف درهم، أو قال على ألف درهم، فقال العبد: قبلت العتق في نصفي لا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله، ولا يعتق، ولا يلزمه شيء وعندهما يعتق ويلزمه الألف؛ لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ، فصار قبول العتق في النصف قبولًا في الكل.
وعند أبي حنيفة رحمه الله: الإعتاق متجزئ فإن صح قبوله في النصف، يعتق نصفه بخمسمائة، ويخرج النصف الآخر إلى الحرية بالسعاية، فتقصر يد المولى عن العبد بإيجاب الدين في ذمته، وإنه مفلس والدين في ذمة المفلس.... فيتضرر به المولى، وإن قال العبد قبلت العتق في نصفي بخمسمائة فهو باطل بالإجماع، أما عند أبي حنيفة رحمه الله فظاهر وأما عندهما؛ فلأن قبول العتق في نصفه لما كان قبولًا في الكل عندها، صار كأنه قبل العتق في الكل بخمسمائة، ولو قبل العتق في الكل بخمسمائة لا يجوز ولا يعتق، لأن المولى ما وصى به كذا هاهنا.
ولو قال العبد لمولاه أعتقني على ألف درهم أو قال بألف درهم، فقال المولى؛ أعتقت نصفك فعلى قولهما عتق كله وعليه الألف، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله إن كان العبد قال أعتقني من فلان بألف، فقال المولى أعتقت نصفك عتق نصفه بخمسمائة، ويجب عليه السعاية في النصف الباقي، وإن كان قال أعتقني على ألف درهم فقال المولى أعتقت نصفك عتق نصفه بغير شيء.
وفي (مجموع النوازل) رجل قال لعبده أنت حر (بعد) موتي إن لم تشرب الخمر، فأقام أشهرًا ثم شرب الخمر قبل أن يعتق بطل عتقه، وإن رفع الأمر إلى القاضي بعد موت المولى قبل أن يشرب الخمر فأمضى فيه العتق ثم شرب الخمر بعد ذلك لم يرد إلى الرق.
ولو قال لعبده أنت حر على أن تشرب الخمر، فهو حر شرب الخمر أو لم يشرب.
وفي (المنتقى) الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله، وهو قول أبي يوسف: إذا أشكل أمر الغلام في الاحتلام فقال قد احتلمت صدق فيما له، وفيما عليه كما تصدق الجارية على الحيض، فعلى فهذا إذا قال لغلامه إذا احتلمت فأنت حر، فقال: احتلمت عتق.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمّد رحمه الله إذا قال الرجل أول غلامين أشتريهما حران، فاشترى غلامًا ثم اشترى غلامين لم يعتق واحد منهم، ولو اشترى أولًا غلامًا، ثم اشترى غلامًا وأمه عتق الغلامان أما الفصل الأول، فلأن المشترى أولًا ليس بغلامين، والغلامان ليسا بأول لأن الأول اسم لعدد سابق لم يسبقه مثله.
وأما الفصل الثاني فلأن الغلامين أول غلامين اشتراهما؛ لأنه لم يسبقهما شراء غلام وفي (الجامع) إذا قال: أول عبد أملكه فهو حر، فملك عبدين، ثم عبدًا لم يعتق واحد منهم؛ لأنه وجب العتق لأول عبد يملكه والاسم لفرد سابق.
وفي العبدين إن وجد السبق لم يوجد الفردية، وفي العبد إن وجد الفردية لم يوجد السبق.
وهذا بخلاف ما لو قال أول عبدين أملكهما حران فملك عبدين عتقا؛ لأن هناك أضاف العتق إلى أول عبدين يملكهما فيعتبر الأولية في العبدين، وقد وجد، وهاهنا أضاف العتق إلى أول عبد يملكه فتعتبر الأولية في العبد الواحد ولم يوجد. وكذلك إذا قال أول عبد أملكه واحدًا فهو حر، فملك عبدين ثم ملك عبدًا لم يعتق واحد منهم؛ لأن قوله واحدًا ذكره ولا ذكره سواء لأنه لا يفيد إلا ما قاله صدر الكلام؛ لأن قوله واحدًا صفة للعبد بالتفرد وقد استعدنا تفرد العبد؛ بقوله أول عبد أملكه؛ لأن الأول اسم لفرد سابق.
ولو قال أول عبد أملكه وحده فهو حر، فاشترى عبدين، ثم اشترى عبدًا عتق الثالث؛ بخلاف قوله أول عبد أملكه واحدًا. والفرق أن قوله وحده يقتضي الانفراد في الفعل المقرون به، ولا يقتضي الانفراد في الذات، وقوله واحد يقتضي الانفراد في الذات، ألا ترى أنه لا يستقيم أن يقال عبد وحده ويستقيم أن يقال عبد أملكه وحده.
وكذلك إذا قلت في الدار رجل وحده يفيد ذلك صفة التفرد للرجل في الفعل المقرون به، وهو الكينونة في الدار حتى لو كان في الدار صبي أو امرأة مع الرجل يكون كاذبًا، وإذا قلت في الدار رجل واحد يقتضي ذلك صفة التفرد للرجل في ذاته، حتى لو كان في الدار مع الرجل صبي أو امرأة لا يكون كاذبًا.
إذا ثبت هذا فنقول: قوله أملكه وحده يقتضي التفرد في الفعل المقرون به، وهو التملك فيصير مضيفًا العتق إلى أول عبد موصوف بصفة التفرد في التملك، والعبد الثالث بهذه الصفة، وصار كما لو قال أول عبد أسود عتق؛ لأنه أضاف العتق إلى أول عبد موصوف بصفة التفرد في السواد وهذا العبد بهذه الصفة.
أما قوله: أملكه واحدًا يقتضي التفرد في الذات فيصير مضيفًا العتق إلى أول عبد موصوف بصفة التفرد في الذات والثالث ليس بهذه الصفة.
وفي (فتاوى أبي الليث) إذا قال: إن اشتريت عبدين فهما حران، فاشترى ثلاثة أعبد في صفقة واحدة عتق اثنان منهم والخيار إلى المولى، وكذلك إذا اشترى عبدًا ثم عبدين عتق اثنان منهم والخيار إلى المولى؛ لأنه لما اشترى ثلاثة أعبد، فقد اشترى عبدين.
ولو اشترى عبدًا وأعتقه، ثم اشترى عبدين عتق العبدان أيضًا، فيعتقون جملة لأن العبد الأول خرج من أن يكون مرادًا بقوله فهما حران؛ لأنه أنشأ العتق، والأول بعد ما أعتقه المولى لم يبق محلًا للإنشاء، فيعتق العبدان الآخران لقوله فهما حران.
وإذا قال: آخر غلام أشتريه حر، فهذا على المنفرد الذي تأخر عن غيره في الزمان؛ فإذا اشترى غلامًا ثم غلامًا ثم مات الحالف عتق الآخر مستندًا إلى حين الشراء ويعتبر عتقه من جميع المال إذا كان الشراء في حالة الصحة، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله. وقال أبو يوسف ومحمّد رحمهما الله يعتق مقصورًا على الحال.
وإذا قال: آخر غلام أشتريه، فاشترى غلامًا ثم اشترى آخر ثم باع الثاني ثم اشتراه ثم مات فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يعتق العبد الثاني بالشراء الأول والملك الأول، وينتقض بيعه الثاني، وقال محمّد رحمه الله يعتق في الملك الثاني بالشراء الثاني، ولا ينتقض ذلك البيع، ولو كان اشترى ثلاثة أعبدٍ واحدًا بعد واحد، ثم باع الآخر منهم ثم مات الرجل فبيع الآخر ينتقض ويعتق في قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال محمّد رحمه الله لا يعتق؛ لأنه إنما يقع اليمين..... فوقعت اليمين وليس في ملكه، ألا ترى أنه لو قال لعبده إن لم أشترِ بعدك عبدًا فأنت حر، ثم باع عبده ولم يشترِ غيره حتى مات، فإنه لم يعتق.
وإذا نظر الرجل إلى عشرة أعبد وقال آخركم تزوجًا حر، فتزوج عبد ثم تزوج عبد، ثم تزوج العبد الأول امرأة أخرى ذلك كله بأمر المولى، ثم مات المولى لم يعتق واحد منهم؛ لأنه بموت المولى لايتبين آخرهم تزوجًا لجواز أن يتزوج الباقون بعد موته، بخلاف قوله آخر عبد أشتريه حر؛ لأن هناك بموت الحالف يتبين الآخر؛ إذ لا يمكنه الشراء بعد موته.
ولو وقت وقتًا، فقال آخركم تزوجًا اليوم حر، فتزوج واحد منهم بأمره، ثم تزوج آخر بأمره ثم تزوج الأول بأمره، ثم غربت الشمس عتق العبد الثاني دون الذي تزوج مرتين لوقوع التيقن بصفة ثبوت صفة الآخرية للثاني دون الذي تزوج مرتين؛ لأن الذي تزوج مرتين اتصف بالأولية في النكاح الأول، ولا يتصور اتصافه بالآخرية.
ولو قال آخر تزوج يوجد من أحدكم اليوم، فالذي تزوج حر، فتزوج عبد، ثم عبد ثم تزوج الأول أخرى ثم غابت الشمس عتق الذي تزوج مرتين، بخلاف الفصل الأول وهو قوله آخركم تزوجًا.
والفرق: أن في قوله آخركم تزوجًا جعل الآخرية صفة للعتق، وهو التزوّج، فتراعى الآخرية في فعل وهاهنا جعل الآخرية صفة للفعل وهو التزوّج، فتراعى الآخرية في الفعل اعتبارًا للتصرف على الوجه المار به في الفصلين جميعًا.
وإذا قال أوسط عبد أشتريه حر، فاعلم بأن الأوسط لغة اسم بمعنى الوسط، والوسط اسم لفرد متخلل بين عددين متساويين لا يشاركه غيره في اسمه ومعناه، فبعد ذلك ينظر إن كان الذي وسط فردًا الا يتصور وجوده على هذه الهيئة إلا في الأعداد المفردة، وإن كان الذي جعله وسطًا زوجًا لا يتصور وجوده على هذه الهيئة إلا في الأعداد الزوجية.
مثال الأول: الواحد لا يتصور أن يكون وسطًا إلا في الأعداد الفرد لأن أقل ذلك أن يتقدمه واحد، ويتأخر عنهما واحد، فيصير أربعة وعلى هذا الاعتبار في جميع ذلك زاد ونقص، فإذا أوجب العتق للعبد الأوسط، فكل من يتفق أنه ليس بأوسط لا يحكم بعتقه، وكل من يتفق بكونه أوسطًا يحكم بعتقه، فإذا مات الحالف وكان الذي اشتراهم شفعًا، فليس فيهم أوسط، إن كانوا خمسًا أو تسعًا مثلًا كان الأوسط الفرد المتخلل بين شفعين، وكل من دخل في النصف الأول من الحساب خرج من أن يكون أوسطًا.
قال في (الجامع): إذا قال الرجل لعبيده أيّكم حمل هذه الخشبة فهو حر، فحملوها جميعًا ينظر إن كانت الخشبة خفيفة يقدر الواحد على حملها، لا يعتقون حتى يحملها واحد بعد واحد، وإن كانت الخشبة ثقيلة لا يقدر الواحد على حملها، وإنما يقدر على (حملها) اثنان أو أكثر عتقوا، والوجه في ذلك أن كلمة (أي) تتناول واحدًا منكرًا من جملة ما أضيف إليهما هذه الكلمة، وقد وصف ذلك المنكر هاهنا بصفة غاية، وهي الحمل؛ لأن الحمل أضيف إلى جميع العبيد الذين أضيف إليهم كلمة أي، فأوجب عموم العبيد سواء كانت الخشبة ثقيلة أو خفيفة.
بعد ذلك الكلام في أن النكرة صارت موصوفة بحمل جميع الخشبة أو بحمل بعضها، فنقول إذا كانت الخشبة خفيفة بحيث يقدر الواحد على حملها صارت النكرة موصوفة بحمل جميع الخشبة؛ لأن الخشبة اسم لجميعها، وقد أضاف حملها إلى كل واحد، والعمل بالحقيقة ممكن؛ بأن يجعل شرط العتق في حق كل واحد حمل جميع الخشبة، أو يتأتى ذلك من كل واحد، فنجعل ذلك شرطًا في حق كل واحد عملًا بحقيقة الكلام، فلا يعتق واحد منهم ما لم يحمل كل الخشبة.
وهو نظير ما لو قال لعبيده أيكم أكل هذه الرغيف فهو حر فأكله اثنان أو أكثر من ذلك لا يعتق واحد منهم، سواء كان يقدر الواحد على أكله بدفعة واحدة أو بدفعتين أو بدفعات؛ لأن أكل الرغيف من كل واحد متصور إما بدفعة أو بدفعات، فصار الداخل تحت كلمة أي موصوفًا بأكل جميع الرغيف، فلا يعتق بأكل بعض الرغيف، وستأتي مسألة الرغيف في المسائل المتفرقات، وما فيها من اختلاف المشايخ.
فأما إذا كانت الخشبة ثقيلة بحيث لا يقدر الواحد على حملها، فالنكرة صارت موصوفة بحمل بعض الخشبة؛ لأن العمل بحقيقة الكلام متعذر لأن حمل جميع الخشبة لا يأتي من كل واحد في هذه الصورة فيعمل بمجازه، ويجعل الشرط من كل واحد منهم حمل بعض هذه الخشبة.
وهو نظير ما لو قال لعبيده أيُّكم شرب ماء هذا البحر فهو حر فشرب كل واحد منهم قطرة عتقوا؛ لأن العمل بحقيقة هذا الكلام متعذر فيعمل بمجازه، وجعل الشرط في حق كل واحد من العبيد بشرب بعض الماء.
ثم إن محمّدًا رحمه الله يقول في (الكتاب) إذا كانت الخشبة ثقيلة يقدر على حملها اثنان، فحملوها جميعًا عتقوا لأن الشرط في هذه الصورة حمل بعض الخشبة، والبعض من حيث إنه بعض لا يفصل فيه بين قدر وقدر.
يقول أيضًا إذا كانت الخشبة حفيفة، بحيث يقدر الواحد على حملها إذا حملها واحد عتق، وإذا حملها واحد بعد واحد عتقوا. وفيه نوع إشكال؛ لأن هذا اللفظ إن كان خاصًا ينبغي أنه إذا حملها الواحد، وحكم بعتقه، أنه لو حملها آخر بعد ذلك إنه لا يعتق، وإن كان عامًا ينبغي أن لا يعتق واحد منهم ما لم يحملوها جميعًا واحد بعد واحد، كما لو قال إن حملتم هذه الخشبة فأنتم أحرار.
والجواب هذا اللفظ خاص بصورته عام من حيث المعنى، فإذا حملها واحد عتقوا عملًا بعموم المعنى، بخلاف قوله إن حملتم هذه الخشبة، لأنه عامة صورة ومعنى؛ فما لم يحملوها لا يعتقون.
وفي (الفتاوى): رجل قال كل جارية أشتريها ما لم أشترِ فلانة- لجارية سماها- فهي حرة ثم إن الجارية المحلوف عليها غابت، أو ماتت فاشترى جارية أخرى ففي الموت لا تعتق عند أبي حنيفة ومحمّد رحمهما الله؛ لأنه وجد الشرط واليمين ساقط على قولهما لفوت الغاية، وفي الغيبة يعتق ما لم يظهر موتها بلا خلاف لأن بمجرد الغيبة لا يبطل اليمين، بلا خلاف.
وإذا قال لعبيده أيُّكم بشرني بقدوم (فلان) فهو حر، فبشروه معًا عتقوا ولو بشروه واحد بعد واحد عتق الأول خاصة.
ولو أمر واحد منهم عبدًا آخر أن يذهب إلى مولاه برسالته، فإن أضاف الرسول الخبر إلى المرسل، بأن قال: إن فلانًا يقول لك أبشرك بقدوم فلان أو قال فلان أرسلني إليك، ويقول أبشرك بقدوم فلان أعتق المرسل دون الرسول، وإن قال الرسول أبشرك بقدوم فلان وأرسلني فلان إليك عتق الرسول دون المرسل.
رجل قال لعبده أنت حر قبل الفطر والأضحى بشهر، فإنه يعتق في أول رمضان؛ لأن أول رمضان وقت قبل الفطر والأضحى بشهر، وهو نظير ما لو قال لعبده أنت (حرٌّ) قبل موت فلان وفلان بشهر، فمات أحدهما لتمام شهر من وقت هذه المقالة عتق العبد؛ لأن هذا وقت قبل موت فلان وفلان بشهر.
وفي (نوادر المعلى) عن أبي يوسف رحمه الله رجل (قال): إن اشتريت فلانًا، فهو حر وادعاه رجل أنه ابنه ثم اشترياه جميعًا، فهو حر، ونصف ولائه للذي حلف بعتقه وهو ابن الذي ادعاه.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن أبي يوسف رحمه الله: رجل قال إن اشتريت من هذا العبد شيئًا، فهو حر ثم اشتراه هو وأبوه فإنه يعتق بالقرابة ولا يقع عتق الحالف عليه؛ لأن النسب قد تقدم الملك، وتقدم عتق الحالف.
وفي (المنتقى) رجل قال لعبده إن اشتريتك أنا وأبوك، فأنت حر، فاشترياه عتق على الأب بالقرابة عند أبي يوسف وعتق باليمين عند أبي حنيفة.
وفي (نوادر داود بن رشيد) عن محمّد رحمه الله: رجل قال لغلام في يدي رجل إن اشتريته فهو حر، ثم أقر أنه لفلان ثم اشتراه كان للمقر له، ولا يعتق.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن محمّد رحمه الله: إذا قال: كل مملوك اشتراه، فهو حر إلى سنة فاشترى عبدًا قال لا يعتق (حتى) يأتي عليه سنة من يوم اشترى.
ولو قال كل مملوك أشتريه إلى سنة فهو حر وكل عبد اشتراه في السنة فهو حر ساعة اشتراه. وإذا قال كل مملوك أملكه فهو حر يعتق ما كان في ملكه يوم حلف، ولا يعتق ما يستفيده إلا إذا عناه؛ لأن قوله أفعل وإن كان للحال وللاستقبال حقيقة إلا أنه للحال أحق لأن الحال مقصود كالماضي، والمستقبل يجب أن يكون له صفة على الخصوص، وهو قوله سوف أفعل، فكانت هذه الكلمة أحق للحال من هذا الوجه، فانصرف إليه، وإن عنى ما يستفيده صحت نيته في حق وجود ما يستفيده تحت اليمين لا في حق الخروج الحالية عن اليمين، فيعتقان جملة.
وفي (الجامع) إذا قال العبد المأذون أو المكاتب كل مملوك أملكه فيما استقبل، فهو حر، فملك مملوكًا بعدما عتق، عند أبي حنيفة، وعندهما يعتق، وعلى هذا الخلاف إذا قال كل مملوك أشتريه فهو حر، فاشترى مملوكًا بعد ما عتق.
وأجمعوا على أنه إذا قال إذا أعتقت فكل مملوك أملكه فهو حر، أو قال إذا أعتقت فكل مملوك أشتريه فهو (حرّ) فملك مملوكًا بعد العتق أو اشترى مملوكًا بعد العتق إنه يعتق.
وأجمعوا على أنه إذا قال كل مملوك لي فهو حر أو قال كل مملوك أملكه فهو حر، فملك مملوكًا بعد العتق إنه لا يعتق، فمن مشايخنا من قال: ما ذكر من الخلاف يجب أن يكون على العكس، وينبغي أن يكون ما يملكه بعد العتق عند أبي حنيفة رحمه الله خلافًا لهما.
وردُّوا هذه المسألة إلى مسألة أخرى، وهو ما إذا قال الرجل لأمته أول ولدٍ تلدينه فهو حر، أو قال لها إن ولدت ولدًا فهو حرّ، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تنصرف نيته إلى الولد الحي تصحيحًا للجزاء، فهاهنا يجب أن ينصرف يمينه إلى ما يملكه بعد العتق، تصحيحًا للجزاء وعلى قولهما في تلك المسألة ينصرف يمينه إلى ما يملكه في الحال، وإلى ما يملكه بعد العتق، وعامتهم على أن الخلاف في هذه المسألة على الوجه الذي ذكر في (الجامع)، فوجه قولهما أنه ذكر الملك فيما يستقبل مطلقًا، فينصرف إلى الملك الثابت من كل وجه، لما عرف أن المطلق من الأسامي ينصرف إلى الكامل، وهو الثابت من كل وجه، وإنما يثبت الملك لهما من كل وجه بعد العتق، فينصرف يمينه إلى ما يملكه بعد العتق بخلاف قوله أول ولد تلدينه فهو حر على مذهبهما؛ لأن الولد الميت ولد من كل وجه، فيتناوله مطلق اسم الولد فلا ضرورة إلى صرفه إلى الولد الحي، أما هاهنا بخلافه.
ولأبي حنيفة رحمه الله أن قوله أملك للحال على ما مر، وقوله فيما استقبل يجوز أن يكون يعتق بقوله أملك فيصرف للاستقبال، ويجوز أن يكون ولد ملك للحال فيصير كأنه شرط عتق هذا الملك الموجود للحال فيما يستقبل، فلما احتمل هذا، واحتمل ذاك، وليس على أحد الاحتمالين دليل لم يصلح قوله فيما استقبل صارفًا قوله أملك إلى الاستقبال فبقي للحال، فكان موجبًا للعتق كما هو مملوك للحال كان نص على الحال ولو نص على الحال لا يعتق ما يملكه بعد العتق فهاهنا كذلك.
وقوله ذلك للملك مطلقًا، فنصرف إلى الثابت من كل وجه وهو الملك بعد العتق، قلنا ما ذكر الملك مطلقًا بل يكون ذكره مقيدًا بالحال عرف ذلك بقوله أملك، فلا يمكن صرفه إلى ما بعد العتق كما لو ذكره مقيدًا بالحال صريحًا.
وفي (المنتقى) رواية عمرو بن أبي عمرو عن محمّد رحمه الله في (الإملاء) أنه جعل قوله: كل مملوك أملكه هذا الشهر وهذه السنة فهو حر، بمنزلة قوله كل مملوك أملكه هذا اليوم من حيث إنه عتق ما كان في ملكه وما يستفيده في الوقت الذي سماه، إن قيل في هذا جمع بين الحال والاستقبال وهما لا يرادان بلفظ واحد، قلنا ليس كذلك، إن قوله أملكه اليوم يتناول القائم في ملكه للحال؛ لأن اليوم اسم للوقت من حين طلوع الشمس إلى وقت غروب الشمس، والبعض منه قد مضى والبعض منه قائم، واسم اليوم يتناول القائم، فيتناول القائم في ملكه بحكم الحال ثم الحال المسند إلى غروب الشمس، فيتناول الكل باعتبار امتداد الحال؛ لأنه جمع بين الحال والاستقبال.
وإن قال كل مملوك أملكه الساعة فهو حر فهو على ما في ملكه دون ما يستفيده.
وإن قال كل مملوك أملكه رأس الشهر فهو حر، فكل مملوك جاء رأس الشهر وهو يملكه، أو يملكه في ليلة رأس الشهر ويومها، فهو حر في قول محمّد، وقال أبو يوسف هو على ما يستفيده في تلك الليلة ويومها.
وعلى هذا الاختلاف إذا قال كل مملوك أملكه غدًا فهو حر ولا نية له عتق ما اجتمع في ملكه في الغد، ومن هو في ملكه للحال ومن يملكه غدًا في قول محمّد، وعلى قول أبي يوسف يعتق ما يستفيده في الغد لا غير.
فوجه قول محمّد أن قوله: أملكه يتناول الحال حقيقة، فلا يترك حقيقة ما أمكن اعتبار حقيقة الحال وإن امتد إلى الغد؛ لأن المرء قد يستقبل بأمر ويمتد ذلك إلى الغد، فصار الغد في امتداد الحال بمنزلة اليوم، فصار هذا وما لو قال كل مملوك أملكه اليوم سواء.
ولأبي يوسف أن الغد من الأوقات المقابلة بلا شك، ألا ترى أنك تقول سأفعل ذلك غدًا وحرف السين لا يدخل إلا على المستقبل، فصار الاستقبال مرادًا بهذا اللفظ، فخرج الحال من أن يكون مرادًا بخلاف قوله كل جارية أملكها اليوم؛ لأن اسم اليوم يتناول القائم بحكم الحال ثم الحال الممتد إلى غروب الشمس، فيتناول الكل باعتبار امتداد الحال.
وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: أي رجل مملوك أملكه يوم الجمعة فهو حر، فهذا على ما يملكه يوم الجمعة، ولو قال كل مملوك لي حر يوم الجمعة، والفرق أن في المسألة الأولى الوقت دخل على الملك، فانصرف إلى المملوك في ذلك الوقت، وفي المسألة الثانية الوقت دخل على العتق، فبقي قوله أملكه هاهنا ولا للحال، ويصير عتقه مضافًا إلى ذلك الوقت.
ولو قال إذا دخلت الدار فكل مملوك لي يومئذٍ حر، فهذا على ما كان في ملكه يوم دخول البيت، سواء كان مملوكًا له يوم اليمين أو اشتراه بعد اليمين؛ لأن قوله يومئذٍ ينصرف إلى يوم الدخول، فإنما أثبت العتق لكل من كان في ملكه يوم الدخول، ولو لم يقل يومئذٍ وباقي المسألة بحالها فما ملكه بعد اليمين لا يعتق؛ لأن قوله كل مملوك لي يتناول الحال، والمضاف إلى الدخول الحرية دون الملك، وقد أثبت عند الدخول الحرية ممن هو مملوك له للحال.
ولو قال كل مملوك أملكه، فهو حر إذا جاء غد، فهذا على ما في ملكه في الحال في قولهم، بخلاف قوله كل مملوك أملكه غدًا.
ولو قال كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة، فهذا على ما يستقبل في الثلاثين بلا خلاف، ولم يدخل ما كان في ملكه يوم اليمين؛ لأن الاستقبال هاهنا صار مرادًا؛ لأن الحال لا يمتد إلى هذه المدة بيقين فتعين للاستقبال، مرادًا بهذا اللفظ، فلا يبقى الحال مرادًا، وعلى هذا إذا قال إلى سنة وعلى هذا إذا قال إلى ثلاثين سنة، أو قال سنة أو قال أبدًا، أو قال إلى أن أموت، فهذا باب واحد يدخل في اليمين ما يستفيده دون ما كان في ملكه.
ولو قال عنيت بقوله ثلاثين سنة وبقولي سنة أن يدوم ما في ملكي في الحال هذه المدة، دين فيما بينه وبين الله، ولم يدين في القضاء؛ لأن الظاهر أنه ذكر الوقت لاستفادة الملك فيما لا استفراد للملك فيها، فكان مدعيًا بخلاف الظاهر، فلا يصدق في الفصل.
إذا قال كل مملوك أملكه إن دخلت الدّار، أو قدّم الشرط، فقال: إن دخلت الدّار، فكل مملوك أملكه فهو حر فهما سواء، يتعلق بالدخول عتق ما كان في ملكه؛ لأن قوله أملكه لما كان منصرفًا إلى الحال لا يختلف الجواب بين تقديم الشرط وتأخيره.
ولو قال كل مملوك لي، أو قال: كل مملوك أملكه حر بعد غدٍ، وله مملوك، فاشترى آخر ثم جاء بعد غد عتق الذي كان في ملكه يوم حلف؛ لأن قوله كل مملوك لي وقوله كل مملوك أملكه يتناول المملوك القائم للحال بحقيقة، وقوله بعد غد دخل على قوله حر، لا على قوله أملكه، فبقي قوله أملكه على حقيقته.
وفي (الأمالي) عن أبي يوسف إذا قال كل مملوك يولد لي، فهو حر إن دخلت الدار فولد له مملوك من أمة كانت له يوم الحلف، ثم دخل الدّار عتق ولو اشترى أمة بعد الحلف وولدت له ولدًا، ثم دخل الدار لم يعتق، والله أعلم.

.نوع آخر من هذا الفصل:

إذا قال المولى لعبده إن أديت إليّ ألفًا فأنت حر، فجاء العبد بالمال وخلى بينه وبين المولى يجبر المولى على القبول وليس معناه الإكراه بالسيف، وإنما معناه أن العبد إذا أخص المال بحيث يتمكن المولى من قبضه، وخلى بينه وبين المولى (يعد المولى) قابلًا ويحكم بعتق العبد، وهذا استحسان أخذ به علماؤنا الثلاثة رحمهم الله.
يجب أن يعلم بأن هذا التصرف يمين ابتداءً، وينقلب كتابة عند الأداء، أما يمين ابتداءً؛ فلأن صورته صورة اليمين؛ لأن اليمين ذكر شرط وجزاء وهذا التصرف بهذه المثابة، وأما كتابة معنى عند الأداء؛ لأن معنى الكتابة أن يعتق العبد بمال يؤديه إلى المولى، وقد وجد هذا الحد عند الأداء فوفرنا على الشبهين حظهما، فجعلناه يمينًا ابتداء عملًا بالصورة، فقلنا إنه يتم المولى وحده، ولا يحتمل الفسخ، ولا يمنع جواز البيع، ولا يصير للعبد حق بأكسابه للحال، حتى كان للمولى أن يأخذ منه بغير رضاه، وجعلناه كتابة معنى عند الأداء، فقلنا إذا أدى العبد المال يجبر المولى على القبول كما في فصل الكتابة، وهذا لأن المولى رضي بالعتق عند دخول العوض إليه والعبد ما رضي في اكتساب المال إلا ليصل إلى العتق، فلو لم يجبر المولى على القبول على التفسير الذي قلنا فيتضرر به العبد، ولو أجبر المولى على القبول لا يتضرر فهو بهذا الطريق أجبر المولى على القبول في الكتابة وإذا أجبر المولى على القبول صار القبول موجودًا تقديرًا واعتبارًا، فيتحقق الشرط وهو الأداء إلى المولى.
وذكر محمّد رحمه الله في (الأصل) إذ قال لعبده إن أديت إلى ألفًا فأنت حر، فهذا إذن منه له في التجارة والعمل؛ لأن هذا التصرف وإن كان يمينًا ابتداء فهو سبب لثبوت الكتابة لأنه ينقلب كتابة عند الأداء، والإذن في التجارة يثبت بالكتابة، فكذا بما هو سبب الكتابة يوضحه أنه لو لم يثبت الإذن لم يصل العبد إلى العتق أصلًا.
وفي (الأصل) أيضًا إذا قال لعبده: إن أديت إليّ ألف درهم فأنت حر، فهذا على المجلس، وروى بشر عن أبي يوسف: لأنه لا يتوقف على المجلس كما في الكتابة وكما في قوله إن أديت: إليّ، وجه ظاهر الرواية أن الأداء هاهنا بمنزلة القبول في الكتابة من حيث إن حكم الكتابة- وهو المعاوضة- يثبت عند الأداء هاهنا، ثم القبول في الكتابة يعتبر في المجلس كذا الأول هاهنا يعتبر في المجلس إذا لم يكن في لفظه ما يدل على الوقت، بخلاف قوله متى وإذا؛ لأن ذلك الوقت يعم الأوقات كلها.
وإذا مات المولى قبل أداء العبد بطل التعليق؛ لأن العبد يصير ميراثًا فلا يتوهم وجود الشرط بعد هذا على ملك المولى ليعتق به، فلا يكون في إيفاء الثمن فائدة، بخلاف الكتابة؛ لأن المكاتب لا يصير ميراثًا بل يبقى على حكم ملك الميت، فيوجد به الشرط على ملك المولى، وهو الأداء فيعتق وكان في إيفاء الكتابة فائدة.
ولو أدى العبد في مال اكتسبه قبل هذا القول عتق لوجود الشرط، وهو الأداء، ألا ترى أنه لو أدّى من مال غصبه من إنسان يعتق فطريقه ما قلنا، ورجع المولى عليه بمثله؛ لأن مقصود المولى جر العبد على الاكتساب ليؤدى من كسبه بعد هذا القول، فيملك ما لم يكن مملوكًا له قبل هذا القول، وهذا المقصود لا يحصل متى أدّى من كسب اكتسبه قبل هذا القول، و(لو) أدّى من كسب اكتسبه بعد هذا القول لم يرجع المولى على العبد بشيء لحصول مقصوده وهو ملك ما لم يكن مملوكًا له قبل هذه المقالة.
ولو قال له إن أديت إليّ ألف درهم فأنت حر، فاكتسب بعد هذه القالة أربعة آلاف درهم، وأدى منها ألفًا، كان للمولى أن يأخذ الثلاثة الآلاف الباقية؛ لأنه إنما يصير مكاتبًا، عند الأداء (كاتبتك على نفسك وعلى ألف)، فيصير أحق بمكاتبته عند الأداء بقدر المؤدى، كأنه قال له عند الأداء: كاتبتك على نفسك وعلى ألف من كسبك بألف درهم، ولو صرح بذلك دخل تحت الكتابة ألف واحدة وصار هو أحق بألف واحدة، ويكون الباقي للمولى كذا هاهنا.
ولو جاء العبد ببعض الألف يجبر على القبول لأنه لا يحصل به العتق، وجه الاستحسان: أن المولى لا يقصد بهذا الكلام أداء العبد الألف جملة، وإنما يقصد أداؤه إليه على التفاريق، وكيف يوجد أداؤه إليه جملة، وإن العبد مفلس ولإن كان لا يحصل به العتق، هذا لا يدل على أنه لا يجبر على قبوله إذا كان ذلك مقصودًا للمولى، ألا ترى أن المولى إذا قال لعبده إن أديت إلي اليوم خمسمائة، وإذا قدم فلان خمسمائة فأنت حر، فأدى اليوم خمسمائة أجبر المولى على القبول، وإن كان لا يعتق بأدائه لأن المولى قصد كذلك كذا هاهنا.
ولو كان قال لأمته هذه المقالة، فولدت ثم أدّت لم يعتق ولدها؛ لأن هذا التصرف تعليق ويمين ابتداء، وإنما يثبت حكم المعاوضة عند الأداء، فقيل: الأداء هو تعليق فلا يتعدى إلى الولد كسائر التعليقات.
ولو حط المولى شيئًا من المال المشروط لم يعتق بأداء الباقي، لأن هذا التصرف في المال تعليق والتعليق لا يحتمل حط بعض الشرط، فيبقى الشرط أداء الألف بتمامه، ولم يوجد بخلاف الكتابة؛ لأنها معاوضة للحال، فكان بدل الكتابة واجبًا شرعًا، والواجب شرعًا يحتمل الإسقاط ألا ترى أنه لو أبرأ المكاتب عن كل بدل الكتابة يصح، فكذا إذا حط البعض، أما هاهنا المال مشروط غير واجب ليصح حط بعضه، ولكن أداؤه شرط العتق وشرط العتق لا يحتمل الحط فلهذا لا يعتق، ولو باعه ثم اشتراه فأدّى المال المشروط إليه عتق، ويجبر على القبول في قول أبي يوسف، وقال محمّد رحمه الله في (الزيادات) لا يجبر على القبول ولكن إن قبل يعتق.
وإذا قال لعبده أنت حر على ألف أو بألف أو على أن لي عليك ألفًا، أو على ألف تؤديها، أو على أن تعطيني ألفًا، أو على أن...... بألف فقبل العبد، فهو حر ساعة قبل، وما شرط دين عليه؛ لأن المولى أعتقه على المال، والإعتاق على مال إثبات للعتق عند التزام المال، وقد وجد ذلك بقبوله فيقع العتق بقبوله كما في البيع بخلاف قوله: إن أديت إليَّ ألف درهم؛ لأن هناك المولى علق العتق بأداء الألف فلا يثبت العتق قبل الأداء.
وكذلك لو أعتقه على طعام موصوف في الذمة أو شيء من الكيل أو الموزون معلوم الجنس والوصف والقدر في الذمة؛ لأن هذا يصلح عوضًا في البيع، ففي القبول أولى، وإن كان العوض شيئًا بعينه صحت التسمية وإن كان المسمى ملك المعتق؛ لأن العبد ليس من أهل الملك، إلا أن تسمية ملك الغير عوضًا صحيح، فإن من اشترى شيئًا بعبد مملوك للغير صح العقد وصحت التسمية، وعليه العبد إلا أن ثمة إذا يجيز يفسخ المالك أن يفسخ العقد وهاهنا لا يفسخ العقد وعلى العبد قيمته، وإنما كان كذلك لأن تعذر التسليم بعد صحة التسمية يوجب المصير إلى القيمة، ولا تدخل القيمة في باب البيع فلهذا يفسخ العقد والقيمة تدخل في باب العتق بطريق الأصالة، فإن من أعتق عبدًا على حيوان وجاء العبد بالقيمة جُبر المولى على القبول.
وإذا قال لعبده: إن أديت إليّ ألفًا فأنت حر فقال العبد للمولى خذ مني مكانها مائة دينار، وأخذها المولى لا يعتق لأنه استبدال بشرط اليمين وإنه لا يصح؛ لأنه يتضمن فسخ اليمين، واليمين لا يحتمل الفسخ، إلا أن يقول للعبد عند طلبه ذلك: إن أديت إلي هذا فأنت حر، فحينئذٍ يعتق باليمين الثانية. كما لو قال له إن أديت إليّ ألف درهم فأنت حر، ثم قال له: إن أديت إليّ خمسمائة، فأنت حر فأدى إليه خمسمائة يعتق باليمين الثانية كذ هاهنا.
قال في (الزيادات): وإذا قال له: إذا أديت إليَّ عبدًا فأنت حر ولم يضف العبد إلى قيمة ولا إلى جنس، فهو جائز؛ لأن هذا الكلام يمين ابتداء، معاوضة المال بما ليس بمال انتهاء، واليمين صحيحة، وإن كان الشرط مجهولًا، ومعاوضة المال بما ليس بمال صحيحة، وإن لم يكن العوض الذي هو قاله معلومًا كما في النكاح، وأقرته الكتابة، وإذا وجد القبول يثبت العبد دينًا في ذمته، فإن أتى العبد بعد ذلك بعبد وسط يجبر المولى على القبول؛ لأن مطلق اسم العبد في مثل هذه المعاوضة ينصرف إلى الوسط، ويصير كأن المولى قال له: إن أديت إليّ عبدًا وسطًا فأنت حر، وكذلك إن أتى بعبد هو أرفع يجبر على القبول لأنه أتى بالمشروط وزيادة، وإن أتى بعبد رديء لا يجبر على القبول، ولكن إن قبل يعتق لأن العبد في هذا التصرف ذكر مطلقًا، وإنما عينَّا الوسط نظرًا للمولى، فإذا رضي بالرديء ينظر لنفسه فلم يظهر تعيين الوسط.
قال مشايخ ما وراء النهر: الأرفع في ديارنا أعزّ الأتراك وأحسنهم، والوسط أفضل الهنود وأخس الأتراك، والرديء أحسن الهنود.
ولو جاء العبد بقيمة عبد وسط لا يجبر المولى على القبول وإذا رضي بها وقبلها لا يعتق العبد بخلاف ما إذا رضي بالعبد الرديء وقبله، والفرق وهو أن اسم العبد عند الإطلاق يتناول الرديء، إلا أنه لا يجبر المولى على قبول الرديء نظرًا له فإذا رضي بالرديء لم ينظر لنفسه، والاسم قد يتناوله، فيتحقق شرط العتق، فأما اسم العبد لا يتناول القيمة فلا يتحقق الشرط بقبول القيمة، فلا يعتق، والجواب في قوله إن أديت إليّ كرّ حنطة نظير الجواب في قوله: إن أديت إليّ عبدًا إن جاء بكرَ وسط أو مرتفع يجبر المولى على القبول، وإن جاء بكرِّ رديء لا يجبر.
ولو قال: له إن أديت إليّ عبدًا وسطًا، أو قال إذا أديت إلي كرّ حنطة وسط فأنت حر، فجاء بعبد مرتفع أو بكر مرتفع لا يجبر المولى على القبول، وإذا قبل لا يعتق بخلاف قوله: إذا أديت إليَّ عبدًا أو أديت كرًا، والفرق أن في هذه المسألة شرط الوساطة نصًا، واسم الوسط لا يتناول المرتفع، فبأدائه لا يتحقق شرط العتق وشروط الحالف مما يجب عامها، ألا ترى أنه لو قال لعبده إذا أديت إليّ ألف درهم في كيس أبيض، فأداه في كيس أسود لا يعتق أما في تقدم ما شرط الوساطة نصًَّا، بل ذكر العبد مطلقًا والكر مطلقًا، وهذا الاسم صالح لتناول الأرفع، وإذا أتى به فقد تحقق شرط العتق فلهذا افترقا.
ولو قال له إذا أديت إليّ دراهم فأنت حر، فأدى إليه ثلاثة دراهم فصاعدًا لا يجبر على القبول، وكذا إذا قبل يعتق لأن الجبر على القبول باعتبار المعاوضة والمعاوضة هاهنا لم تثبت لمكان الجهالة، أما التعليق قد ثبت؛ لأن جهالة الشرط لا تمنع صحة التعليق، ومن حكم التعليق نزول الجزاء عند مباشرة الشرط.
وكذلك إذا قال إن أديت إلي ثوبًا فأنت حر، فأدى إليه ثوبًا لا يجبر على القبول، ولو قبل يعتق.
ولو قال إن أديت إلي وزني دراهم، أو قال ثوبًا فأنت حر كان هذا باطلًا، حتى لو أدى إليهم ثلاثة دراهم فصاعدًا أو أدى إليهم ثوبًا، وقبلوا لا يعتق؛ لأن معنى المعاوضة لا يسع في هذا اللفظ، ومعنى التعليق قد بطل بموت الحالف.
ولو قال في وصفه إذا أدّى إليكم عبدي هذا عبدًا، أو قال كر حنطة، فهو حر فهذا على الوسط، فلو أنه أتى بالرديء وقبل الوارث لا يستحق العتق بخلاف ما إذا قال إذا أديت إليّ عبدًا، أو قال: كر حنطة، ولو أتى بالوسط لا يعتق ولكن يستحق العتق لأن هذا عتق تأخر عن الموت، وكل عتق تأخر عن الموت لا ينفذ إلا بتنفيذ الورثة، عرف ذلك في موضعه.
وفي (المنتقى) إذا قال لعبده: إن أديت إليّ ألفًا فأنت حر، فاستقرض العبد من رجل ألف درهم ودفعها إلى مولاه، فإنه يعتق العبد ويرجع غريم العبد على المولى، فيأخذ منه ألف درهم؛ لأنه أحق بها من المولى من قبل أنه عبد مأذون في التجارة وغرماء العبد المأذون أحق بماله، حتى يستوفوا ديونهم.
ولو كان العبد استقرض من رجل ألفي درهم، وقيمته ألفا درهم، فدفع أحد الألفين المستقرضة إلى مولاه، وعتق بها. وقد كان أكل ألفًا منها قبل ذلك، فإن للمقرض أن يأخذ من المولى الألف التي دفعها العبد إليه، ويضمن المولى للمقرض أيضًا ألف درهم أخرى؛ لأن المولى منع العبد بالعتق من أن يباع بما عليه من الدين، وإن شاء المقرض اتبع العبد بجميع ديونه، ولو أن المولى أخذ من العبد ما اكتسبه العبد بعد هذا القول من غير أن يؤديه العبد إليه جاز ذلك؛ لأنه ماله، ولا يعتق العبد لانعدام الشرط، والله أعلم.

.نوع آخر يتصل بهذا الفصل:

إذا قال لعبدين له: إن أديتما إليّ ألف درهم، فأنتما حران، يعتبر أداؤهما، ولو أداها أحدهما من عند نفسه فإن قال خمسمائة عني وخمسمائة أتبرع بها عن صاحبي لا يعتقان؛ لأن شرط عتقهما أداؤهما ولم يوجد الأداء منهما لا حقيقة ولا اعتبارًا، إلا أن يقول خمسمائة من عندي وخمسمائة بعث بها (عن) صاحبي، فحينئذٍ يعتقان، لأنه وجد الأداء منهما، من أحدها حقيقة ومن الآخر اعتبارًا؛ لأن فعل الرسول منقول إلى المرسل ولو أداها أجنبي لم يعتقا إلا أن يقول أؤدّي الألف ليعتقهما، أو قال على أنهما حران، فإذا قبل عتقا لا بحكم اليمين الأولى؛ بل لأن الأداء من الأجنبي حصل مقابلًا بعتقهما، وقد رضي المولى به بالقبول، وكان للمؤدي أن يأخذ المال من المولى، لأنه أدى ذلك بغير حق؛ لأن بدل العتق لا يجب على غير العبد بالضمان بخلاف بدل الطلاق.
وفي (الزيادات) عبد بين رجلين قال أحدهما للعبد إن أديت إليّ ألفًا، فأنت حر فأدّى إليه ألف درهم عتق نصيبه عند أبي حنيفة رحمه الله لا غير، وللشريك الساكت أن يأخذ من المعتق نصف ما أخذ من العبد، ولا يرجع المعتِق (على) العبد بشيء، ولو كان قال إن أديت إليّ ألفًا فنصيبي منك حر، فأدى إليه ألف درهم عتق نصيبه لا غير عند أبي حنيفة رحمه الله، ويأخذ الساكت من المعتق نصف ما أخذ من العبد، ويرجع المعتق على العبد بذلك بخلاف الفصل الأول.
والفرق أن في الفصل الثاني المعتق قابل الألف بنصيبه، وقد سلم للعبد نصيبه، فيلزمه كل الألف، وفي الفصل الأول قابل الألف بكل العبد ولم يسلم للعبد جميعه من جهة المعتق، فلا يلزمه كل الألف وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله.
وأما على قولهما عتق العبد كله في الفصلين؛ لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ ويرجع الساكت على المعتق على العبد بذلك، إن كان المعتق موسرًا يرجع، وإن كان معسرًا لا يرجع؛ لأنه إذا كان موسرًا، فجميع الرقبة سلم للعبد من جهته، فكان له أن يرجع على العبد بجميع الألف، فأما إذا كان معسرًا لم يسلم للعبد من جهته إلا نصف الرقبة معنى، لما استسعاه الساكت في نصيبه، فلا يسلم للمعتق جميع الألف أيضًا والله أعلم.

.نوع آخر يتصل بهذا الفصل:

إذا قال لعبده في صحته: إن أعتقت عني عبدًا، فأنت حر، فإن العبد يصير مأذونًا في التجارة؛ لأن تعليق العتق بالإعتاق إطلاق في الإعتاق، وإنه يقتضي الإذن في التجارة، وينصرف إلى العبد الوسط، وهذا وقوله: إن أديت إلي عبدًا سواء.
بيانه أن المولى علق عتق العبد بتمليك العبد عبدًا من المولى، فإن معنى قوله إن أعتقت عني عبدًا: إن ملكت عبدًا مني وأعتقته بنيابتي فأنت حر، فهو معنى قولنا: إن هذا وقوله: إن أديت إلي عبدًا سواء وذلك ينصرف إلى الوسط، كذا هاهنا، فإن اشترى هذا العبد عبدًا وسطًا، أو وهب له عبد وسط، فأعتقه عن مولاه جاز؛ لأنه أعتقه بطريق النيابة عن المولى، فكأن المولى أعتقه بنفسه وعتق هذا العبد أيضًا لوجود شرطه.
ولو اشترى عبدًا مرتفعًا أو عبدًا دون الوسط وأعتقه عن مولاه لم يجز إعتاقه؛ لأن إعتاق العبد عبدًا من كسبه، إنما يصح بطريق النيابة عن المولى، لا نيابة في إعتاق هذا العبد، ولا يعتق هذا العبد أيضًا لانعدام الشرط.
وكذلك إذا قال: أعتق عني عبدًا وأنت حر، فهذا وما لو قال: إن أعتقت عني عبدًا فأنت حر، فهذا وما لو قال إن أعتقت عني عبدًا سواء؛ لأن جواب الأمر بحرف الواو وجواب الشرط بحرف الواو سواء ولو كان قال إن أعتقت عبدًا فأنت حر؛ أو قال أعتق عبدًا وأنت حر ولم يقل عني، فأعتق عبدًا وسطًا، فالقياس أن لا يصح إعتاقه ولا يعتق هو؛ لأنه لما لم يقل عني كان هذا تعليق عتقه بإعتاق عبد عن نفسه. وهذا الشرط لا يكون.
وفي (الاستحسان): يصح ويعتق هو أيضًا، ويدرج كلمة عني تصحيحًا للأمر بالإعتاق، وإن كان المولى قال ذلك في مرضه فأعتق المأمور عبدًا وسطًا عن المولى صح إعتاقه استحسانًا، وعتق المأمور لوجود الشرط لما بينا.
وإذا مات المولى من بعد ذلك من مرضه ذلك ينظر إلى قيمة العبد المأمور، وإلى قيمة العبد الذي أعتقه، فإن كان قيمة العبد الذي أعتقه مثل قيمة المأمور أو أكثر فلا سعاية على العبد المأمور؛ لأن عتقه حصل بعوض يعدله أو يزيد عليه؛ لأن تقدير كلامه ملكني عبدًا وأعتقه عني، وعلى العبد الذي أعتقه السعاية في ثلثي قيمته إذا لم (يكن) للمولى مال آخر؛ لأنه إنما عتق من جهة المولى؛ لأن المأمور أعتقه بنيابة المولى فكأن المولى أعتقه بنفسه والإعتاق في مرض الموت إذا كان بغير عوض يعتبر من الثلث.
ولو كان قيمة العبد الذي أعتقه دون قيمة العبد المأمور فنقدر قيمة العبد الذي أعتقه من العبد المأمور عتق بعوض يعدله، فلا يعتبر فيه حكم الوصية، وما زاد على ذلك عتق بغير عوض، فيعتبر فيه حكم الوصية، والعبد الذي أعتقه عتق كله بغير عوض، فيعتبر فيه حكم الوصية، حتى إنه إذا كان قيمة العبد المأمور مثلًا ستون وقيمة العبد الذي أعتقه أربعون، ولا مال له غيرهما، فنقدر ثلثي المأمور عتق بعوض فلا وصية فيه، وثلث المأمور عتق بغير عوض، فتعتبر فيه الوصية، والمعتق عتق كله بغير بدل، فيعتبر فيه الوصية، فينظر إلى مال الميت، وينفذ وصيها من ثلثه، ومال الميت ثلث العبد المأمور وقيمته عشرون، وجميع العبد المعتق وقيمته أربعون، فجملته ستون ثلثه عشرون، يقسم ذلك بينهما على قدر وصيتهما، ووصية المأمور بقدر عشرين، ووصية المعتق بقدر أربعين، فيقسم الثلث- وذلك عشرون ثلثها- أثلاثًا ثلثه للعبد المأمور وثلثاه للعبد المعتق، فيعتق من العبد المأمور بحكم الوصية ستة وثلثان ويسعى فيما بقي من ثلاثة عشر وثلث ويعتق العبد المعتق بحكم الوصية ثلاثة عشر وثلث، ويسعى فيما بقي من رقبته، وذلك ستة و(عشرون) ثلثان، فيسلم لهما بحكم الوصية عشرون، ويسلم للورثة بطريق السعاية أربعون، فيستقيم الثلث والثلثان.
ولو قال له أعتق عني عبدًا بعد موتي وأنت حر، فهذا والذي في حال الحياة في المسألة الأولى سواء، إلا في خصلة وهي: أنه إذا أعتق المأمور عبدًا وسطًا عن المولى بعد موت المولى لا يعتق العبد المأمور إلا بإعتاق الورثة أو الوصي أو القاضي، وفي حال الحياة إذا أعتق المأمور عبدًا وسطًا عن المولى، يعتق المأمور من غير أن يحتاج فيه إلى إعتاق أحد.
والفرق أن العبد المأمور بموت المولى ينتقل إلى ورثته؛ لأن الثابت في حقه للحال مجرد التعليق، ومجرد التعليق لا يمنع الإرث وبعد ما صار مملوكًا للوارث لا يمكن تنفيذ العتق فيه بإعتاق المولى، لكن يثبث للمولى المأمور بهذا التصرف استحقاق العتق عند إعتاقه عبدًا عن المولى كما أمره المولى به، فينتقل إلى الوارث بهذه الصفة كالعبد المرهون ينتقل إلى الورثة على الصفة التي كان في ملك الراهن مشغولًا بحق المرتهن، فإذا بقي استحقاقه وجب على من قام مقامه من وارث أو وصي أو قاضٍ إعتاقه عبدًا عن المولى أما في حالة الحياة أمكن تنفيذ العتق من جهة المولى لبقاء ملكه فلا حاجة إلى إلغاء العتق عند وجود الشرط من جهة أحد.
فإن قالت الورثة للمأمور أعتق عبدًا وإلا بعناك لا يلتفت إلى ذلك؛ لأنه ثبت للعبد استحقاق العتق عند إعتاقه عبدًا عن الميت، وليس للورثة ولاية إبطال حق العبد.
وفرق بين الورثة وبين المولى، فإن المولى في حاله حياته يملك بيعه، والورثة لا يملكون ذلك بعد وفاته، والفرق أن هذا الحق لم يظهر في حق المولى؛ لأن الحقيقة ثابتة للمولى مطلقًا، فلو ظهر أثر هذا الحق في حق المولى يبطل أثر حقيقته، وإنه لا يجوز، أما في حق الورثة لو ظهر أثر هذا الحق لا يؤدي إلى إبطال أثر الحقيقة؛ لأن الحقيقة قد ثبتت للورثة بهذه الصفة، ولكن يرفعون الأمر إلى القاضي، فيمهله القاضي ثلاثة أيام، وذلك على حسب ما ترى؛ لأن تركه مؤيدًا كذلك يبطل حق الورثة، والتعجيل للحال يبطل حق العبد؛ لأنه عسى لا يقدر على الإعتاق في الحال فيجب على القاضي مراعاة الحقين، وذلك فيما قلنا، فإن أعتق المأمور عبدًا وسطًا في المدة التي أمهله القاضي أعتقه، وإلا رده إلى الورثة وأمرهم ببيعه، وقضى بإبطال وصيته.
ولو كان المولى قال لورثته: إذا أعتق عبدي عني عبدًا بعد موتي فأعتقوه فهذا وما لو قال لعبده أعتق عني عبدًا بعد موتي وأنت حر سواء؛ لأن في الموضعين جميعًا لا يعتق العبد بإيجاد الشرط ما لم يعتقه من قام مقام الميت، هذه الجملة من (الديانات).
وفي (الأصل) إذا قال المولى لعبده أنت حر على أن تخدمني سنة فقبل العبد ذلك عتق، كما لو قال له أنت حر على ألف درهم فقبل، وإن مات المولى في نصف السنة فللورثة أن يأخذوا العبد بما بقي من السنة من قيمة العبد، وهذا قول أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة آخرًا وقال محمّد وهو قول أبي حنيفة رحمهم الله أولًا يرجع بما بقي من قيمة الخدمة، وفائدة هذا الخلاف إنما يظهر إذا اختلف قيمة العبد وقيمة الخدمة بأن كانت قيمة العبد ألف درهم، وقيمة الخدمة سنةً خمسمائة فمن قال يرجع بما بقي من قيمة العبد نقول يرجع بخمسمائة، ومن قال يرجع بقيمة الخدمة نقول يرجع بمئتين وخمسين.
وإذا قال لعبده اخدم ولدي سنة ثم أنت حر، وقال إذا خدمتني وإياهم سنة فأنت حر فخدمهم سنة عتق لوجود الشرط، فإن مات المولى قبل السنة لم يعتق لفوات بعض (الشرط) وهو خدمة المولى، ولو شرط المولى خدمة نفسه ومات بطل اليمين.
وفي (المنتقى) إذا قال لجارية: أنت حرة على أن تخدمي فلانة، فقبلت فهي حرة وعليها أن ترد قيمتها لأن الخدمة مجهولة، ولو قال: على أن تخدمي فلانة شهرًا فقبلت حتى عتقت ثم لم تخدم فلانة قال أبو يوسف رحمه الله ترد قيمتها، وقال محمّد رحمه الله ترد قيمة خدمتها شهرًا.
وروي بشر عن أبي يوسف رحمهما الله: إذا قال الرجل لعبده: أنت حر على أن تخدم فلانًا سنة، فالقبول إلى فلان، فإن قبل عتق، فإن لم يخدمه رد قيمته، وروى بشر عنه أيضًا إذا قال له: اخدمني سنة وأنت حر قال أبو حنيفة رحمه الله: يعتق الساعة ولا شيء عليه وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يعتق إلا بالخدمة، قبل أو لم يقبل ولو لم يقل سنة فخدمه شيئًا يسمى خدمة عتق عند أبي يوسف رحمه الله.
وفي (المنتقى): لو قال: أنت حر واخدمني أو قال: أنت حر وأعطني ألفًا، فإن قبل ذلك فهو حر الساعة وعليه أن يخدمه سنة إن كان العتق على الخدمة، وإن كان العتق على الألف فعليه أن يعطيه الألف.
وفي (مجموع النوازل): إذا قال لعبده: أنت حر، وأدّ إليّ ألف درهم فهو حر ولا شيء عليه ولو قال أد إليّ (ألف) درهم وأنت حر لا يعتق ما لم يؤد ألف درهم، وهكذا ذكر الفصل الثاني في (الزيادات).
إذا قال لأمته عند وصيته: إذا خدمت ابني وابنتي حتى يستغنيا، فأنت حرة، فإن كانا صغيرين تخدمهما حتى يدركا؛ لأن استغناء الصغر بهذا، وإن أدرك أحدهما دون الآخر تخدمهما جميعًا وإن كانا كبيرين تخدم البنت حتى تتزوج لابن حتى الابن ثم جارية لأن استغناء الكبيرين بهذا، وإذا زوجت الابنة وبقي الابن يخدمهما جميعًا؛ لأن الشرط خدمتهما حتى يستغنيا، وإن مات أحدهما وهما كبيران أو صغيران بطلت الوصية لانعدام الشرط، وهو خدمتهما حتى يستغنيا وعن الحسن أبي مطيع في رجل قال لمملوكه: اخدم ورثتي سنة بعد موتي، ثم أنت حر فمات بعض الورثة قال: العبد يعتق (في) الوقت الذي قال الميت؛ لأن خدمة الورثة ليست بوصية صحيحة لهم إنما هذا شيء استلباه من هذا العبد وهذا الجواب يخالف ما ذكرنا من الجواب في قول المولى للعبد، أو قال: اخدمني وولدي سنة وأنت حر.
وسئل الفقيه أبو جعفر رحمه الله عن رجل قال لعبده: صم عني يومًا وأنت حر، أو قال: صلّ عني ركعتين وأنت حر قال: يعتق العبد صام أو لم يصم صلى أو لم يصلِ.
ولو قال: حج عني حجة وأنت حر، لا يعتق حتى يحج عنه، وأشار نجم الدين النسفي رحمه الله إلى الفرق فقال: الصوم والصلوة لا مؤنة فيهما فلا يدل على اشتراطه ذلك بدلًا، والحج فيه مؤنة فيدل على اشتراطه ذلك بدلًا عنه كما في قوله: خِط هذا الثوب ولك درهم وفي (المنتقى) إذا قال لعبده: أنت حر على أن تحج عني حجة، فلم يحج فعليه قيمة حجة وسط.
وفي شرح (الزيادات): إذا قال له حج عني في.... وأنت حر، أو قال: إذا حججت عني في حياتي فأنت حر لا يصح هذا التعليق أصلًا، وإذا قال له: أدِ إليّ ألفًا أحج بها وأنت حر، أو قال إذ أديت إليّ ألفًا أحج بها، فأنت حر فأدى الألف يجبر المولى على القبول وإذا قبل عتق حج أو لم يحج وإذا قال: إن أديت إليّ ألفًا، فحججت بها فأنت حر فأدى الألف لا يجبر المولى على القبول، وإذا قبل لا يعتق حتى يحج بها، ولو قال له: حج عني بعد موتي جحة وأنت حر فعليه أن يحج حجة وسطًا من منزل المولى، فإذا حج لا يعتق ما لم يعتقه الورثة أو الوصي أو القاضي، ولو قال: ادفع إلى وصيي بعد موتي قيمة حج يحج بها عني وأنت حر، ينصرف هذا إلى قيمة حجة وسط من منزل الميت، فإذا دفع العبد ذلك إلى الوصي عتق العبد حج بها الوصي أو لم يحج.
ولو قال: إذا دفعت إلى وصيي بعد موتي قيمة حج يحج بها عني، فأنت حر فأداها إلى الوصي لا يجب إعتاقه حتى يحج بها الوصي والله أعلم.

.الفصل الرابع في العتق المبهم:

يجب أن يعلم بأن إعتاق المولى أحد عبديه لا بعينه صحيح؛ لأن الإعتاق مما يقبل التعليق بالشرط، وما يقبل التعليق بالشرط يصح إيجابه في المبهم والمجهول؛ لأن الإيجاب في المجهول في حق المعتق بمنزلة التعليق بالنسيان، ويثبت للمولى خيار التعيين؛ لأن الإبهام كائن من جهته وسواء قال: أحدهما حر أو قال: هذا حر وهذا لأن كلمة أو إذا دخلت بين إسمين تناولت أحدهما، فكان هذا وقوله أحدكما حر سواء إذا خاصم العبدان المولى إلى الحاكم أجبره الحاكم على أن يتوقع العتق على أحدهما؛ لأن كل واحد منهما تردد حاله بين الحرية والرق، فصار المولى غير متمكن من استرقاقهما فإذا اختار أحدهما وقع العتق عليه حين اختار.
قال محمّد رحمه الله: وهما قبل ذلك بمنزلة العبدين ليشير إلى أن العتق المبهم غير نازك، واعلم بأن المشايخ رحمهم الله اختلفوا أن الإيجاب المبهم في الطلاق والعتاق هل هو نازل في المحل أم لا، وأن البيان فيهما متغير بالإنشاء أو بالإظهار، وإنما اختلفوا لاختلاف ألفاظ محمّد رحمه الله في الكتب ولتعارض الأحكام فبان اختلاف الألفاظ، فإن في بعض المواضع يأمر الموجب بالإيقاع فنقول يقال له: أوقع هذا إشارة إلى أن الإيجاب المبهم غير نازل، وإن البيان إيقاع وفي بعض المواضع يأمره بالبيان، فنقول: يقال له: بين، وهذا إشارة إلى أن الإيجاب المبهم نازل، وأن البيان إظهار والأحكام متعارضة فقد ذكر في (نكاح الأصل) فيمن كان تحته أربع نسوة كو فيات لم يدخل بواحدة منهن، فقال: أحداكن طالق ثم تزوج مكية جاز، وهذا إشارة إلى أن الطلاق المبهم نازل أو لم يكن نازلًا كان المكية الخامسة ينبغي أن لا يجوز نكاحها.
وذكر في (الزيادات): رجل له امرأتان رضيعتان قال أحداهما طالق ثلاثًا، ولم يبين الطلاق في أحديهما حتى جاءت امرأة وأرضعتهم بانتا، وهذا إشارة إلى أن الإيجاب المبهم غير نازل إذ لو كانت نازلًا كانت الأختية طارئة بعد بينونية إحديهما وأنها لا توجب حرمة الثانية بعد هذا قال بعض مشايخنا في المسألة زوايتان، على رواية الزيادات: الإيجاب المبهم غير نازل في المحل وعلى رواية الأصل نازل، وبعضهم قالوا: المذكور في (الزيادات) قول أبي حنيفة رحمه الله، والمذكور في (الأصل) قولهما، وبعض المشايخ قالوا: الإيجاب المبهم في الطلاق والطلاق لا ينزل في المحل أصلًا بالإنفاق، إلا أن يوجد من الموقع فعل يصير به موقعًا في العتق كما في العبدين لو باع أحدهما أو وهب أو تصدق.
وفي الجاريتين إذا وطئ أحديهما عند أبي يوسف ومحمّد رحمهما الله. إذا ثبت هذا فيقول في مسألة النكاح وجد من الزوج فعل مستدل به على إيقاع الطلاق في العين، وهو إقدامه على نكاح المكية، فإن الظاهر من حال العاقل المسلم أن يقصد بتصرفه الصحة، ولا صحة لنكاح المكية دون وقوع الطلاق على إحدى الكوفيات بفعله، أما في مسألة (الزيادات) لم يوجد من الزوج بعد قوله: إحداكما طالق فعل مستدل به على البيان فكان النكاح باقيًا فيها من كل وجه، فوجد الرضاع بعده، وهما منكوحتان له قياسًا. وعامتهم على أن الإيجاب المبهم نازل من وجه دون وجه؛ لأن قوله إحداكما طالق نكرة في الأصل، فإن قوله: إحدى إسم نكرة معرفة باعتبار الإضافة فإنه أضاف إليهما وهما معروفان، والمضاف إلى المعرفة معرفة فكان معرفة من وجه دون وجه فكان البيان إنشاء من وجه إظهارًا من وجه.
بعد هذا اختلفوا فيما بينهم، بعضهم قالوا: يعتبر جهة الإنشاء في محل التهمة، وجهة الإظهار في غير محل التهمة، وبعضهم قالوا: يعتبر جهة الإظهار في حق حكم يختص بالموقع، وجهة الإنشاء في حق حكم يختص بالمحل وهو الأصح؛ لأن الإيجاب المبهم نازل في حق الموقع غير نازل في حق المحل وكل حكم يختص بالموقع فالإطلاق والعتاق يكون نازلًا فيه، فيعتبر البيان فيه إظهارًا. وكل حكم يختص بالمحل فالطلاق والعتاق لا يكون نازلًا فيه، فيعتبر فيه إنشاء، إذا ثبت هذا فنقول: حرمة الجمع بين الخمس لمعنى يرجع إلى الزوج، وهو أن حقه لا يسع للخمس، والإيجاب المبهم واقع في حقه، فلم يكن جامعًا بين الخمس، فأما حرمة الجمع بين الأختين لمعنى يرجع إليهما وهو صيانتهما عن قطيعة الرحم، والإيجاب المبهم غير واقع في حقهما فيصير جامعًا بينهما.
وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله: إذا قال لأمتيه: إحداكما حرة، فسئل عن إحديهما بعينها، فقال: لم أعن هذه تعتق الأخرى، ولو سئل عن الأخرى فقال: لم أعن هذه عتقت الأولى أيضًا، فيعتقان جميعًا، وذكر هذه المسألة في (العيون) ووصفها في العبدين، وأجاب بما أجاب في (النوازل): قال في (النوازل): وكذلك هذا في الطلاق، فرق بين الطلاق والعتاق والإقرار، فإن من قال لآخر: لهذين رجلين علي ألف درهم، فقيل له: أهو هذا لأحدهما بعينه، فقال: لا، لا يجب للآخر شيء، وأشار الصدر الشهيد رحمه الله في (واقعاته) إلى الفرق، فقال: البيان في الطلاق والعتاق مستحق عليه، ولهذا يجبر عليه، فجعلنا نفي أحدهما تعيينًا للآخر ضرورة إخراجه عن عهدة الواجب، أما البيان في الأقرار غير مستحق عليه، ولهذا لا يجبر عليه. ولا ضرورة إلى أن يجعل نفي أحدهما تعيينًا للآخر.
وفيما ذكر من الجواب في فصل الطلاق والعتاق نوع إشكال؛ لأن العتق المبهم صورة أن لا يعين واحدًا منهما بعينه. فقوله: لم أعن هذا بعينه بيان صورة العتق المبهم، فكيف يقع به الطلاق والعتاق. في (العين) وفي (فتاوى أهل سمرقند) إذا قال: أمة وعبد من رقيقي حران، ولم يبين حتى مات وله عبدان وأمة عتقت الأمة، ومن كل واحد من العبدين نصفه، ويسعى كل واحد في نصفه. ولو كان له ثلاثة، أعبد وأمة عتقت الأمة، ومن كل واحد من العبيد ثلثه، ويسعى كل واحد منهم في ثلثيه، ولو كان له ثلاثة أعبد وثلاث إماء عتق من كل واحد من العبيد والإماء الثلاث ويسعون في الباقي، ولو كان له ثلاثه أعبد وأمتان، عتق من كل أمةٍ نصفها وسعت في النصف وعتق من كل عبد ثلثه، ويسعى في الثلثين. وعلى هذا القياس يخرج جنس هذه المسائل.
قال محمّد رحمه الله في (الجامع الصغير): رجل قال لعبديه: أحدكما حر، ثم باع أحدهما أو مات أحدهما عتق الآخر، أما إذا مات أحدهما؛ لأن بالموت لم يبق محلًا لإنشاء العتق فلا يبقى محلًا للبيان؛ لأن البيان إنشاء في حق محل العتق. وإذا لم يبق الميت محلًا للبيان تعين الحي ضرورة، وروي عن محمّد رحمه الله فيمن قال: أحد هذين التي أو أحدهما بين أم ولدي، فمات أحدهما لم يتعين القائم للحرية وللاستيلاد عدا إخباره عن أمر سابق، والإخبار يصح في الحي والميت جميعًا، بخلاف البيان؛ لأنه في حكم الإنشاء، فلا يصح إلا في الحي والميت.
ولو مات المولى قبل البيان عتق كل واحد نصفه ولا خيار للوارث؛ لأن خيار التعيين يعرف في اللفظ، والوارث لا يقوم مقامه فيما يرجع إلى التصرف في اللفظ، بخلاف خيار التعيين في باب البيع، فإنه إذا اشترى أحد الثوبين على أنه بالخيار بأحدهما شيئًا يأخذ برد الأخر ثم مات قبل التعيين كان الخيار للوارث؛ لأن هناك الإرث يجري من علة الخيار، وهو ملك أحدهما مجهولًا؛ فإن الوارث يقوم مقام المورث في الملك، ثم الخيار يثبت له ابتداء بناء على هذه العلة، أما هاهنا تعيين الخيار لا يورث وعليه إيجاب العتق في المجهول، وهذا أيضًا لا يجري فيه الإرث، فإذا بطل له ولاية الخيار فاتت ولاية البيان، وإبطال العتق لا وجه له وليس أحد العبدين بأولى من الآخر، فلم يبق ها هنا وجهًا سوى الشيوع.
وأما إذا باع أحدهما، أو رهنه، أو كاتبه، أو دبره، أو استولد أحدهما، أو باع بشرط الخيار لنفسه، أو للمشتري، أو باع بيعًا فاسدًا، ولم يسلم أو سلم أو ساوم أو..... به آو أجر، أو زوج أحديهما، أو حلف على أحديهما بالحرية، إن فعل شيئًا فهذا كله اختيار للعتق في الآخر. والأصل: أن التعيين كما يثبت بالصريح يثبت بالدلالة، وقد وجدها هنا دلالة التعيين لأن هذه التصرفات بيانًا فيه دلالة لا يصح إلا في المملوك ملك اليمين، فصار الإقدام على هذه التصرفات بيانًا فيه دلالة أن هذا المحل مملوك ملك يمين، ومن ضرورة تعين الأخرى للحرية، ولهذا سوى في البيع الفاسد بين التسليم وعدم التسليم؛ لأن انتقاء العتق عنه ما كان ضرورة ثبوت الحكم، وإنما كان دلالة الإقدام على تصرف يختص بالملك.
وروي عن محمّد رحمه الله أن اليمين إذا كانت سابقة على الحرية المجهولة فعتق أحدهما بوجود الشرط يعتق الآخر؛ لأن الذي عتق بوجود الشرط لم يبق...... البيان فصار كما لو مات، وذكر محمّد رحمه الله في (الإملاء): إذا وهب أحدهما أو تصدق به وسلم عتق الآخر، ذكر التسليم وإنه...... لا أنه شرط، فإن التعيين دلالة يقع بالإقدام على تصرف يختص بالملك، فلا يتوقف على القبض. وقال أبو يوسف ومحمّد رحمه الله إذا وطئ أحديهما كان وطؤه بيانًا للعتق في الأخرى وإنه معروف، وعن أبو يوسف رحمه الله: أن التقبيل والنظر إلى الفرج بشهوة كالوطء؛ لأنهما يختصان بملك المتعة كالوطء، ولو استخدم أحديهما لم يكن اختيارًا في قولهم جميعًا؛ لأن الاستخدام لا يختص بالملك، ولو أعتق أحدهما بعينه ثم قال: أردت به ذلك العتق، فالقول قوله؛ لأن الأول في حق العتق معلق بالبيان، فكان البيان إعتاقًا، ولهذا يقال له: أوقع العتق على أيهما شئت.
فإذا قال: أردت بذلك العتق السابق كان مدعيًا حقيقة كلامه، فكان مصدقًا في القضاء ولو باعهما صفقه واحدة فسد البيع فيهما؛ لأن العتق نزل في أحديهما نكرة، والمنكر فيهما، فيصير جامعًا بين الحر والعبد في صفقة واحدة من غير بيان اليمين فيفسد البيع بالاتفاق وإذا وهبهما أو تصدق بهما أو تزوج عليهما فإنه يجبر على البيان في أحديهما وتجوز الهبة والصدقة والإمهار في الآخر؛ لأن ضم الحر إلى العبد في هذه العقود لا يوجب بطلان هذه العقود؛ لأن ضم الحر إلى العبد يجري مجرى الشرط الفاسد، وهذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة، بخلاف البيع، ولو لم يعين حتى مات بطلت هذه التصرفات؛ لأن الحرية شاعت فيهما، ومعتق البعض لا يقبل النقل من ملك إلى ملك، وهذا لأن الملك فيما هو مملوك لا يثبت بهذه التصرفات قبل التعيين؛ لمكان الجهالة، فيتوقف عمل هذه التصرفات في إفادة الملك على التعيين، فقبل ذلك كانا على حكم ملك المولى فيشيع العتق فيها بموته، وتبطل هذه التصرفات.
ولو باعهما من رجل صفقة واحدة وسلمهما إليه، فأعتقهما المشتري أجبر البائع على البيان؛ لأن خيار البائع في البيان لم يبطل ببيعهما ولا بإعتاق المشتري إياهما؛ لأن المشتري قبضهما بحكم عقد فاسد وأحدهما حر والآخر عبد، فملك العبد منها بالقيمة إذ الجهالة لا تمنع الملك الفاسد بالبيع، فإذا عين البائع العتق في أحدهما تعين الملك الفاسد في الآخر، وعتق الآخر على المشتري بالقيمة، فإن مات البائع قبل البيان يقال للورثة بينوا، وإذا بينوا عتق الآخر على المشتري، ولا يشيع العتق فيهما، وآخر الملك دال عن العبد منهما بالبيع الفاسد، فتعذر القول بالشيوع وبقي الخيار وقام الوارث مقام المورث، وليس يثبت الخيار للوارث في هذه الصورة بطريق الإرث، وإنما يثبت الخيار له ابتداء؛ لأنه استحق قيمة أحد العبدين فكان منهم التعيين كما قلنا فيمن باع أحد عبديه على أنه بالخيار، وقبضهما المشتري فماتا في يده ثم مات البائع كان لورثة البائع خيار التعيين، فإن لم يعتقهما المشتري ولكن مات البائع لم يشع العتق فيهما؛ لأن الملك دال عن العبد منهما بالبيع الفاسد، فلا يمكن القول بالشيوع، إلا أن العتق الفاسد يستحق بعضه، فبعد البعض يعود العبد إلى قديم ملك البائع ويشيع العتق فيهما بموت البائع قبل البيان، فأما قبل القبض يبقى العبد على ملك المشتري، فلا يمكن القول بشيوع العتق.
ولو قتلهما رجل معًا فعلى القاتل نصف قيمة كل واحد منهما للمولى، ونصف دية كل واحدة منهما لورثتهما، هكذا ذكر في بعض الكتب، وذكر في (الأصل): عليه نصف قيمة كل واحد منهما ودية حر وعبد؛ لأن العتق ترك في المنكر، والمنكر فيهم، فقد قتل حرًا وعبدًا، إلا أن محمّدًا رحمه الله أضاف القيمة إلى كل واحد، ولم يضف الدية إلى كل واحد؛ لأن دية الحر لا تتفاوت، فأما القيمة متفاوتة، فلو قال: عليه دية حر وقيمة عبد.... يدفع أقل القيمتين، والمولى يطالبه بأكثرهما وأوجب من قيمة كل واحد منهما قطعًا للمنازعة، إلا أن القيمة تجب للمولى؛ لأنها وجبت بإزاء العبد، والدية بدل الحر فتكون لورثتهما.
وإن قتل أحدهما بعد الآخر فعلى القاتل قيمة الأول ودية الثاني؛ لأن الأول بالقتل خرج من أن يكون..... من الثاني فتعين دية الثاني؛ لأن للأول بالقتل الحرية، فحصلت الجناية عليه بعد الحرية، فيجب ديته. وإن قتل كل واحد منهما رجل معًا فعلى كل واحد من القاتلين قيمة عبد؛ لأن قتل كل واحد صادف المعتق، والمعتق في حق المعين معلق بالبيان، بخلاف ما إذا قتلهما رجل واحد منهما بعينه، فإذا قتلهما رجل واحد صار قاتلًا حرًا وعبدًا.
وإذا قتل كل واحد منهما رجل واحد كان كل واحد منهما قاتلًا عبدًا فيجب على كل واحد منهما قيمة عبد، ويكون نصف ذلك للورثة والنصف للمولى؛ لأن في حق المولى الحرية بدله، فلا يستحق بدلهما، فيتوزع ذلك نصفين. ولو قتل كل واحد منهما رجل على التعاقب، فعلى الأول قيمة المقتول الأول لمولاه، وعلى الثاني قيمة المقتول الثاني لورثته، ولو قطع رجل يد كل واحد منهما معًا أو أحدهما بعد الآخر كان عليه أن يبين العبد منهما جميعًا، بخلاف ما إذا قتلهما رجل واحد، فقد جعل الواحد في القتل إذا قتلهما معًا قاتلًا لما..... للمجهول الذي هو حر، ولم يجعل الواحد في القطع إذا قطع يدهما قطعًا للمجهول الذي هو حر.
والفرق: أن المقطوع يده بالقطع لم يخرج من أن يكون محلًا للبيان، فيجبر المولى على البيان ومتى بين العتق في أحدهما يصح بيانه في حق الأصل؛ لأنه قائم، وفي حق اليد بطريق التبعية والأطراف تبع، ولا يراعى البيع بشرائط الأصل، وإذا صح البيان في اليد والأصل جميعًا والبيان في حكم الإنسان من وجه، وفي حكم الإظهار من وجه لا يجب في الذي تبين العتق فيه زيادة على نصف القيمة بالشك، وبقي الآخر عبدًا ابتداءً وانتهاءً، فلم يصر القاطع قاطعًا يد حر مجهول، وفي القتل لما لم يبق، ولأنه البيان، بقي الحر مجهولًا كذلك، وقد صار قاتلًا كذلك المجهول متى قتلهما معًا، فكان دية حر ونصف قيمة كل واحد منها من اكتسب من المال قبل التعيين، فهو للمولى؛ لأن الكسب يجوز أن يملكه من لا يملك الأصل، والأرش لا يملكه إلا مالك الأصل، فإذا..... المولى الأرش؛ لأن بملك الكسب كان أولى.
وإن كانتا أمتين، وولدت كل واحدة ولدًا أو ولدت إحداهما فإنه يعتق ولد الذي اختار المولى إيقاع العتق عليها؛ لأن كل واحدة منهما تردد حالها بين الرق والحرية، فصارت في معنى المكاتبة، وبالمكاتبة يعتق ولدها بعتقها. ولو ماتت الأمتان معًا أو قتلتا معًا خير المولى على أن يوقع العتق على أي الولدين شاءَ؛ لأن الولدين جزء الأمتين، فقاما مقام الأمتين، ولا يرث الابن المعتق...... أن للابن الذي عينه للعتق بعد قتل الأمتين معًا لا يرث من بدل الأم شيئًا لأن هذا الولد إنما عتق بالتعيين، وذلك مؤخر عن قتل الأم، فلهذا لا يرث شيئًا. وإن مات أحد الولدين حال حياة الأمتين لم يلتفت إلى ذلك؛ لأن الأمتان لما كانتا قائمتين كان خيار التعيين باقيًا تبعًا للأصلين، ولا يؤثر موت أحد الولدين في تعيين الأحد للحرية، بخلاف ما إذا مات أحد الولدين بعد موت الأمتين؛ لأن بعد موت الأمتين الخيار إنما بقي باعتبار الولدين، فصار موت أحدهما في هذه الحالة كموت إحدى الجارتين حال بقائهما، وهناك يتعين الآخر للعتق، وكذا إذا مات أحد الولدين بعد موت الجارتين بخلاف ما إذا مات أحد الولدين بعد موت الجاريتين والجاريتان قائمتان.
وفي (الجامع) إذا قال الرجل لعبدين له: إذا جاء غد فأحدكما حر ثم مات أحدهما اليوم أو أعتقه، أو باعه أو وهبه وقبضه الموهوب له، ثم جاء الغد يعتق الباقي وكان ينبغي أن لا يعتق الباقي ها هنا من غير نية؛ لأن المعلق بالشرط عند وجوب الشرط كالمرسل، ولو أرسل بعد ضحى الغد وقال: أحدكما حر وقد مات أحدهما أو زال عن ملكه بما ذكرنا من الأسباب لا يعتق الباقي من غير نية، كذا ها هنا.
والجواب: أن الإيجاب ها هنا قد صح لكون العبدين في ملكه وقعت الحاجة إلى بقاء الإيجاب، والبقاء يستدعي قيام محل الحكم، فأحدهما بعينه يصلح محلًا له، ألا ترى أن هذا الاسم قد نطلق عليه، وأنه يصح صرف الإيجاب إليه فاستقام القول ببقاء الإيجاب، وإذا بقي الإيجاب...... صح للباقي يتعين الباقي. فصار تقدير المسألة: إذا جاء غد وأحدكما في ملكي فهو حر. أما ابتداء الإيجاب بعد ما مات أحدهما أو زال عن ملكه لا يصح لعدم شرطه، وهو مزاحمة الآخر؛ لأن الإبهام لا يصح إلا بمزاحم، وهو نظير ما لو قال للمختلعة: أنت ثاني ونوى الطلاق لا يقع به شيء، ولو علق الإبانة بالشرط ثم خالعها، ثم وجد الشرط وقع عليها تطليقة بائنة والمعنى ما ذكرنا.
فإن قال المولى قبل مجيء الغد: اخترت أن يقع العتق إذا جاء غد على هذا العبد بعينه كان باطلًا؛ لأن في تعيين أحدهما قبل مجيء الغد تغيير اليمين؛ لأن اليمين انعقدت على أن يعتق عند مجيء الغد أحدهما لا يعينه ولو صح هذا التعيين عتق عند مجيء الغد أحدهما بعينه والحالف لا يملك تغيير موجب اليمين كما لا يملك إبطاله، وكان بمنزلة ما لو حلف لا يكلم أحد هذين الرجلين ثم عين أحدهما لليمين لا يصح، حتى لو كلم الذي لم يعينه يحنث في يمينه والمعنى ما ذكرنا، وكان القياس فيما إذا كان العتق على هذا الوجه مرسلًا أن لا يملك تعيين العتق في أحدهما بعينه لما فيه من تعيين موجب الإيجاب، لكن تركنا القياس ثمة ضرورة لمكان العمل بالعتق الواقع من ولاية الشهادة والقضاء والحمل، فلا يقبل التنصيف من الحدود. وغير ذلك؛ لأن العمل بهذه الأحكام لا يمكن إلا بعد تعيين أحدهما، وهذه الضرورة معدومة المعلق لأن العتق المعلق؛ غير نازل قتل وجود الشرط فإن قيل: أليس إن قبل مجيء الغد ملك التعيين بالبيع، فإنه إذا باع أحدهما يتعين الآخر للعتق وإن كان فيه تعيين موجبه اليمين. قلنا: هناك إنما ثبت التعيين حكمًا لنفاذ البيع في أحدهما، إذ الموجب للنفاذ قائم وهو الملك، والشيء قد يثبت حكمًا لغيره وإن كان لا يثبت مقصودًا على ما عرف.
وفي (الجامع) أيضًا: إذا قال الرجل لعبدين له: إذا جاء غد فأحدكما حر، ثم باع أحدهما ثم اشتراه قبل مجيء الغد، أو باعهما ثم اشتراهما قبل مجيء، الغد ثم جاء الغد، ثم باع الآخر ولم يشتره حتى جاء الغد عتق الذي في ملكه عند مجيء الغد ولا يبطل اليمين بالبيع؛ لأنه لو بطل بطل من حيث أن بالبيع يزول الملك جميعًا فلا يبطل بزوال أحدهما وهو الملك، أو لأن قيام الملك إنما يشترط حال انعقاد اليمين وحال نزول الجزاء؛ إلا فيما بين ذلك.
وإذا لم يبطل اليمين ينظر إلى حال وجود الشرط فإن كانا في ملكه عتق أحدهما غد لقيام المزاحمة ومحلية البيان. وإن كان أحدهما في ملكه يتعين هو للعتق لانعدام المزاحم، ولو باع نصف أحدهما ثم جاء الغد عتق الكامل؛ لأنه لا مزاحم له؛ لأن نصف العبد لا يزاحم العبد الكامل في استحقاق اسم الأحد. ولو باع نصف كل واحد منهما إذا جاء الغد عتق أحدهما، والبيان إليه؛ لأنهما استويا من حيث أن اسم الأحد لا ينطلق على كل واحد منهما من طريق الحقيقة، واستويا من حيث أن كل واحد منهما بعض الأحد، واسم الأحد إن كان لا ينطلق على النصف من طريق الحقيقة، ينطلق عليه من طريق المجاز بطريق إطلاق اسم الكل على البعض، وإذا لم يبق ما في ملكه ما ينطلق عليه هذا الاسم من طريق الحقيقة وقع على المجاز وهما في ذلك على السواء، فيعتق أحدهما فيكون البيان إليه.
فإن قيل: ينبغي أن يبطل اليمين ها هنا لأن المعقود عليه قد فات؛ لأن اليمين انعقدت موجبة عتق أحدها ولم يبق ها هنا من يستحق هذا الاسم وفوات المعقود عليه يوجب بطلان اليمين.
قلنا: ما فات كل المعقود عليه إنما فات بعضه فوات العقد ضرورة فوات المحل فيتعذر بقدر فوات المحل.
ألا ترى أن من قال لعبدين له: إذا جاء غد فأنتما حران، ثم باع أحدهما، ثم جاء الغد عتق الباقي، ومعلوم أن العقد عقد على الإثنين وبعد بيع أحدهما لم يبق من ينطلق عليه هذا الاسم وفوات المعقود عليه، لكن قيل: فإن بعض المعقود عليه، لا يوجب بطلان العقد في الكل كذا ها هنا، وألا ترى أن من قال: هذان العبدان الأبيضان حران أو هذان الأسودان، فمات أحدهما أي أحد الأسودين عتق الأبيضان من غير خيار، ولو مات أحد الأسودين وأحد الأبيضين كان له الخيار، وإن فات المعقود عليه مع هذا لم يبطل اليمين لما ذكرنا أنه فات بعض المعقود.
وفي (البقالي): إذا قال: هذا حر هذا..... عتقا. ولو قال: هذا حر عتق الثاني، ولو قال: هذا حر هذا إن دخل الدار، عتق الأول في الحال والثاني عند الشرط، ولو قال: هذا حر إن دخل الدار هذا حر إن كلم فلانًا، فكما قال يعني: يعتق الأول إذا دخل ويعتق الثاني إذا كلم فلانًا. ولو قال: أحدكما حر إن شاء ثم قال: أحدكما حر، فشاء أحدهما عتقا، وإذا جمع بين عبده وبين من لا يعتق عليه العتق، كالبهيمة والحائط وقال: عبدي حر أو وهذا أو قال: أحدهما حر عتق عبده عند أبي حنيفة، وقالا: لا يعتق عبده، كذا ذكر في بعض المواضع، وذكر في بعض المواضع قول أبي يوسف مع أبي حنيفة، وجه قول من قال إنه لا يعتق العبد إن كلمّهُ، وإذا دخلت بين شيئين أوجبت الشك فصار في حق العبد، كأنه قال: أنت حر أولًا، ولو نص عليه هذا لا يعتق العبد كذا ها هنا. واعتبره بما إذا جمع بين عبيده، وبين عبد غيره، وقال: ذلك وجه قول أبي حنيفة رحمه الله إن الشك إنما يقع بحكم كلمة، أو إذا صح الضم وإنما يصح الضم إذا كان كل واحد منهما قائلًا بحكم ما أضيف إليهما، والمضموم ها هنا لا يقبل الحرية فلغى الضم فصار العبد هو المعتق، وجاز إيقاع العتق على المعتق بهذا اللفظ كما نوى الإيقاع عبده.
وذكر محمّد رحمه الله في عتاق (الأصل) إذا قال: أحد عبيدي حر ولا يعلم له إلا عبد واحد عتق عبده، وهذا بخلاف ما لوجمع بين عبده وبين عبد غيره؛ لأن عبد الغير محل للعتق، ولهذا جاز عتقه بإجازة مولاه فصح الضم، أما ها هنا بخلافه وروى ابن سماعة محمّد رحمه الله أنه إذا جمع بين عبده وبين مالا يقع عليه العتق وقال: هذا حر أو هذا لا يعتق عبده، ولو قال: أحدكما حر عتق عبده.
والفرق: أنه إذا قال: هذا حر هذا فقد أدخل كلمة الشك فصار في حق عبده كأنه قال أنت حر أو لست بحر، وإذا قال: أحدكما حر فهنا أدخل كلمة الشك بل وصف أحدهما بالحرية والعبد متعين لذلك، فانصرف إليه.
ولو جمع بين أمة حية وبين ميتة وقال: أحدكما حرة لا تعتق الحية؛ لأن الميتة توصف بالحرية إخبارًا. يقال: فلانة ماتت حرة فلا تتعين الحية لهذا الوصف والله أعلم.

.الفصل الخامس في إعتاق بعض الرقيق:

وإذا أعتق الرجل بعض العبد بأن أعتق نصفه أو ثلثه أو ربعه فهذا على وجهين: أما إن كان العبد كله له أو كان العبد مشتركًا بينه وبين غيره؛ فإن كان العبد كله له فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يعتق قدر ما أعتقه ويبقى الباقي رقيقًا، إن شاء أعتقه وإن شاء استسعاه. وقال أبو يوسف ومحمّد رحمهما الله: يعتق كله، ولا سبيل له على العبد، وإن كان العبد مشتركًا بينه وبين غيره فأعتق نصيبه فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يعتق نصيبه لا غير، سواء كان المعتق موسرًا أو معسرًا؛ إلا أنه إن كان موسرًا فللساكت في نصيبه خيارات. ثلاثة: إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد في نصيبه. وإن كان معسرًا فله خياران: إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى. ومن أعتق أو استسعى قالوا بينهما نصفان، وإذا ضمن المعتق بأن كان المعتق موسرًا رجع المعتق بما ضمن على العبد عند أبي حنيفة رحمه الله، فالعبد لا يختص له عن السعاية على قول أبي حنيفة رحمه الله.
وفي (المنتقى) إذا اختار الساكت تضمين المعتق فله أن يستسمي العبد في ذلك قبل أن يؤدي، وإذا أخذ المعتق ذلك من العبد كان الولاء كله له، وعلى قول أبي يوسف عتق كل العبد في الحالين إلا أن المعتق إن كان موسرًا ضمن قيمة نصيب الساكت، وإن كان معسرًا فالعبد يسعى في نصيب الساكت والولاء كلّه للمعتق في الحالين، والمسألة بحججها معروفة في (الأصل)، ولهذه المسألة فروع، فمن جملتها: معرفة قدر اليسار في ضمان الإعتاق، والمروي فيه عن محمّد رحمه الله: أنه إذا كان مالكًا مقدار قيمة نصيب الساكت من المال والعروض سوى ملبوسه وقوت يومه فهو موسر وعليه عامة المشايخ. ومن المشايخ من اعتبر اليسار..... للصدقة، وبنحوه روي عن أبي حنيفة رحمه الله، فقد روى الحسن بن زياد عنه أنه قال: الموسر الذي له نصف القيمة سوى المنزل والخادم ومتاع البيت..... والصحيح ما روي عن محمّد رحمه الله؛ لأن الحاجة إلى..... العبد عن السعاية أو إلى دفع الضرر عن الشريك الساكت ضرر الإفساد فتتعين المقدرة عليه ولا يعتبر ضرورة.
ومن جملة ذلك ما روي عن أبي يوسف أن المعتق إذا كان معسرًا وجبت السعاية على العبد، فلم يسع، فهو بمنزلة حر عليه دين إلى أن يقضيه.
والحكم في حر هذا حاله أنه إن كان ممن يعمل بيده أو له عمل معروف أنه مؤاجر من رجل ويؤاجره فيقضيانه دينه فها هنا كذلك، وإن كان العبد صغيرًا والمعتق معسرًا فأراد الآخر أن يؤاجره فإن كان الغلام يفعل ورضي بذلك جاز عليه وكان الآخر للذي لم يعتق قضاء من حقه، ومن جملة ذلك: أن قيمة العبد في الضمان والسعاية يعتبر يوم الإعتاق؛ لأن سبب الضمان الإعتاق فتعتبر القيمة في ذلك الوقت كما في الغصب، ومن جملة ذلك: أن حال المعتق في اليسار والعسار يعتبر يوم الإعتاق؛ لأن النسب ينعقد في ذلك الوقت، فإذا كان موسرًا وقت الإعتاق وجب الضمان لوجود السبب وهو موسر، فلا يسقط بالعسار الطارئ. وإذا كان معسرًا وقت الإعتاق ثم أيسر من بعد فالإعتاق حال وجوده لم ينعقد موجبًا للضمان فلا يجب الضمان بعد ذلك.
ومن جملة ذلك: إذا اختار الساكت ضمان المعتق إذا كان المعتق موسرًا ثم أراد أن يرجع عن ذلك، واستسعى العبد، فله ذلك ما لم يقبل المعتق الضمان أو يحكم به الحاكم، وهذه رواية ابن سماعة عن محمّد عن أبي حنيفة رحمهم الله، وذكر في (الأصل): إذا اختار التضمين لم يكن له اختيار السعاية من غير تفصيل، ولو اختار استسعاء العبد لم يكن له اختيار التضمين بعد ذلك رضي العبد بالسعاية أو لم يرض باتفاق الروايات، وهذا إنما يأتي على قول أبي حنيفة رحمه الله. فأما على قول أبي يوسف ومحمّد رحمهما الله: للساكت الضمان إذا كان المعتق موسرًا ليس له غير ذلك وله السعاية، إذا كان المعتق معسرًا ليس له غير ذلك، فمن مشايخنا من قال: ما ذكر في (الأصل) مجهول على تفصل ابن سماعة؛ لأن سقوط حقه في الاستسعاء بناءً على تعذر حقه في الضمان، وحقه في الضمان لا يتعذر ما لم يتم تمليك نفسه من المعتق، وذلك إنما يكون بالقضاء أو بالرضا. وكان الفقيه أبو بكر الرازي رحمه الله هكذا يقول في العاجب مع عاجب العاجب إذا اختار المالك تضمين أحدهما، فقبل القضاء والرضا إذا أراد أن يرجع عن ذلك ويضمن الآخر كان له ذلك، بخلاف ما إذا اختار استسعاء العبد؛ لأنه ليس فيه تمليك من أحد بل فيه تقدير لملكه وإبراء المعتق عن الضمان، وهذا لا يتوقف على القضاء والرضا.
ومن المشايخ من قال: في المسألة روايتان: وجه رواية ابن سماعة ما مر وجه ما ذكرنا في (الأصل): أن اختياره تضمين المعتق يتضمن إبراء العبد عن الضمان، وتمليك المضمون من المعتق، والملك في المضمون إن كان يتوقف على القضاء والرضا فإبراء العبد عن السعاية يتم للمشتري، فلا يبقى له حق في السعاية بعد ذلك.
ومن جملة ذلك إذا مات العبد قبل أن يختار الساكت شيئًا والمعتق موسر، فأراد تضمين المعتق فله ذلك في المشهور عن أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة رحمه الله في غير رواية الأصول: أنه ليس له ذلك، وجه تلك الرواية أن شرط التضمين أن يصير نصيب الساكت مملوكًا للمعتق بالضمان والميت لا يحتمل التمليك والتملك. وجه المشهور: إن وجوب الضمان والإعتاق لأن الفساد به يتحقق في وقت الإعتاق كان محلًا للتمليك، فلا يمتنع الضمان بسبب الموت كما في العبد المحجور. ذكر هذا الفصل على هذا الوجه في شرح (القدوري).
وذكر شيخ الإسلام في شرحه: إذا مات العبد وترك كسبًا اكتسبه بعد العتق فللساكت تضمين المعتق بلا خلاف. وهل له أن يأخذ السعاية من كسب العبد؟ اختلف المشايخ فيه منهم (من) قال: له ذلك، وإليه مال الحاكم أبو نصر رحمه الله في (الأصل) (هذا إذا مات العبد قبل أن)، وعامة المشايخ على أنه ليس له ذلك. قال: وإليه أشار محمّد رحمه الله في (الأصل) هذا إذا مات العبد قبل أن يختار الساكت شيئًا والمعتق موسر، فأما إذا كان المعتق معسرًا وباقي المسألة بحالها فللساكت أن يأخذ السعاية من كسب العبد إن ترك العبد كسبًا اكتسبه بعد العتق بلا خلاف، وإن لم يترك العبد كسبًا اكتسبه بعد العتق بقيت السعاية دينًا على العبد إلى أن يظهر له مال، أو يتبرع عنه متبرع باذل ما عليه إن..... الساكت، وإن كان العبد قد ترك مالًا اكتسب بعضه قبل العتق وبعضه بعد العتق فما كان الكسب قبل العتق فهو بين الموليين، وما كان الكسب بعد العتق فهو للعبد، وإن كان لا يعلم متى اكتسبه فهو بمنزلة ما لو اكتسبه بعد العتق؛ لأنه اكتسبه حادثًا فيحال لحدوثه على أقرب ما ظهر وذلك ما بعد العتق.
ومن جملة ذلك: أن الشرط.... الساكت إذا مات فلورثته ما كان له من العتق والسعاية ويضمن المعتق إن كان موسرًا عند أبي حنيفة رحمه الله يختارون أي ذلك شاؤوا، وليس معنى قوله لورثته من العتق ما كان له حقيقة العتق؛ لأن حقيقة العتق لا يصح من الورثة عند أبي حنيفة؛ لأن معتق البعض عند أبي حنيفة رحمه الله بمنزلة المكاتب، والمكاتب لا تورث رقبته وإنما يورث ما عليه من بدل الكتابة.
وإذا لم تصر رقبة المكاتب ميراثًا لورثة الساكت لا يصح منهم حقيقة العتق، وإنما أراد به الإبراء عن السعاية، والعتق يصلح كناية ومجازًا عن الإبراء عن السعاية؛ لأن بدل الكتابة يورث، فكذا ما وجب على معتق بعض المال؛ لأنه في معنى الكتابة. فصار تقدير المسألة: فلورثة الساكت ما للمورث من الإبراء عن السعاية، واستقبالها وتضمين المعتق.
ومن جملة ذلك: العبد إذا كان بين جماعة أعتق أحدهم نصيبه، واختار بعض الساكتين السعاية في نصيبه، وبعضهم الإعتاق، وبعضهم الضمان فلكل واحد ما اختار عند أبي حنيفة رحمه الله. وإن مات بعض الساكتين بعد ذلك، ووقع الاختلاف بين ورثته، فاختار بعضهم الضمان، وبعضهم السعاية، وبعضهم العتق. روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه ليس للورثة بمنزلة، إلا أن يضمنوا جميعًا ويعتقوا أو يختاروا السعاية؛ لأن الورثة بمنزلة المورث وما كان للمورث..... الاختيار، بل إن شاء ضمن الكل أو أعتق الكل أو استسعى فكذلك لورثته، وروى محمّد عن أبي حنيفة رحمه الله أن لهم ذلك؛ لأن نصيب الميت انتقل إليهم حكمًا فصاروا....... في (الأصل).
ومن جملة ذلك: أن المعتق مع الساكت إذا اختلفا في قيمة العبد يوم الإعتاق، فهذه المسألة على وجوه، إن اتفقا حصل في الحال ولكن اختلفا في قيمته في الحال وأنه على وجهين:
إن كان العبد قائمًا لا يلتفت إلى قولهما، ولكن يقوم العبد للحال وبعض على المعتق بنصف قيمته في الحال؛ لأنه أمكن اعتبار ما وقع فيه الدعوى بالإعتاق، فلا يلتفت إلى قولهما. وإن كان العبد هالكًا فالقول قول المعتق؛ لأنه تعذر معرفة ما وقع فيه الدعوى بالمعاينة فيعتبر الدعوة والإنكار، فالساكت يدعي زيادة على المعتق، والمعتق ينكر.
والوجه الثاني: إذا اتفقا على أن الإعتاق كان قبل هذا الوقت بأيام، واختلفا في مقدار قيمته يوم الإعتاق ذكر شيخ الإسلام في (شرحه): أن القول قول المعتق، سواء كان العبد قائمًا أو هالكًا. فإن كان هالكًا فلا إشكال، وإن كان قائمًا؛ لأن قيمة الشيء فيما يزداد، وينتقص بمضي الوقت فلا يمكن بحكم الحال فتعتبر الدعوى والإنكار.
قال محمّد رحمه الله: وكتبت في (شرح السير): إذا كانت المدة من وقت الإعتاق قريبة ننظر إلى حال العبد، فنعرف قيمته من حاله، وإن كانت المدة بعيدة فالقول قول المعتق ولا نحكم الحال؛ لأن المعتبر في المدة القريبة ليس بظاهر، فيمكن بحكم الحال، والمعتبر في المدة البعيدة ظاهر فلا يمكن بحكم الحال، فنجعل القول قول المعتق لإنكاره الزيادة.
الوجه الثالث: إذا اختلفا في وقت الإعتاق وفي قيمته فقال المعتق: أعتقته قبل هذا بسنة، وكان قيمته يوم أعتقته مائة، وقال الساكت: لا بل أعتقته في الحال وقيمته في الحال ألف درهم، فهذا وما لو تصادقا أن العتق حصل في الحال سواء؛ لأن العتق حادث فيحل حدوثه على أقرب ما ظهر، فالذي بدأ الحدوث في الحال فيمسك بالأصل، فيجعل القول قوله، فصار كأن العتق ثبت بتصادقهما في الحال. والجواب فيما إذا وقع الاختلاف في حال المعتق يوم الإعتاق في اليسار والعسار بظهور الجواب فيما إذا وقع الاختلاف في قيمة العبد، هكذا ذكر شيخ الإسلام في (شرحه) في (المنتقى) أنه ينظر إلى حالة المعتق يوم الخصومة، فإن كان موسرًا ضمن وإن كان معسرًا سعى العبد. وكتبت في (السير): إذا كانت المدة قريبة بحكم الحال، وإن كانت بعيدة يجعل القول قول المعتق؛ لأنه ينكر حق الرجوع عليه بالتضمين، والجواب فيما إذا وقع الاختلاف بين الساكت والعبد في قيمة العبد أيضًا يظهر الجواب فيما إذا وقع الاختلاف بين الساكت والمعتق في قيمة العبد. هكذا ذكر شيخ الإسلام أيضًا.
ومن جملة ذلك: إذا صالح الساكت مع المعتق، وإنه على وجهين: أما إن صالح على أقل من نصف قيمة العبد ودراهم أو دنانير فإنه جائز.
فرق بين التصالح وبين البيع فإن الساكت لو قال للعبد: بعت مالي عليك من نصف القيمة بأقل من نصف القيمة، فإن ذلك لا يجوز. والفرق: وهو أن الصلح في موضوعه لاستيفاء بعض الحق وإسقاط البعض، فإذا كان بلفظة الصلح أمكن تجويزه بطريق استيفاء بعض الحق وإسقاط البعض إن تعذر تجويزه بطريق المعاوضة، فأما البيع معاوضة من كل وجه وليس فيه معنى الإسقاط بعض الحق واستيفاء البعض، فإذا كان بلفظة البيع لا يمكن تجويزه إسقاطًا واستيفاءً تعذر تجويزه معاوضة لمكان.....، فبطل ضرورة.
الوجه الثاني: إذا صالح على أكثر من نصف قيمة العبد دراهم أو دنانير وإنه على وجهين: إن كانت الزيادة بحيث يتغابن الناس في مثلها يجوز، وإن كانت الزيادة بحيث لا يتغابن الناس في مثلها فالزيادة على نصف القيمة باطلة، فقد أبطل الفضل وما صالح الصلح على قدر نصف قيمة العبدين.
فرق بين هذا وبينما إذا حصل هذا بلفظ البيع، فكان البيع يبطل في الأصل والزيادة جميعًا. والفرق: أن البيع لغة ينبئ عن المعاوضة، والمعاوضة إذا تمكَّن فيها الربا أبطل كلها بخلاف الصلح؛ لأن في الصلح معنى استيفاء بعض الحق ومعنى المعاوضة، ففي حق نصف إن تعذر تصحيحه بطريق المعاوضة أمكن تصحيحه بطريق استيفاء الحق، كأنه استوفى عين حقه وزيادة، فيكون الاستيفاء بقدر الحق صحيحًا وتبطل الزيادة، وإن كان الصلح على عوض هو أكثر قيمةً من نصف قيمة العبد جاز؛ لأنه لا يتمكن الربا (فيه).
ومن جملة ذلك أن العبد المعتق إذا كان مريضًا مرض الموت وهو موسر فمات يسقط عنه ضمان المعتق ولا يستوفي ذلك من تركته، بل يسعى العبد للمولى عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما لا يسقط ضمان العتق بل يستوفي ذلك من تركته، وجه قولهما: أن ضمان العتق ضمان الإتلاف، فلا يسقط بالموت، وجه قول أبي حنيفة رحمه الله: ضمان العتق في حكم الصلة من المولى والصلات تسقط بالموت قبل القبض، وإذا كان العبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر، ثم إن الآخر باع نصيبه من الذي أعتق أو وهبه له على عوض أُخِذَ منه.
ذكر محمّد رحمه الله في (الأصل): أن هذا واختياره في الضمان في القياس سواء، غير أن هذا أقبحهما وأفحشهما، وفي (الاستحسان): لا يجوز البيع لأن البيع يوجه الملك للحال ومعتق النصف في الحال يقابل للتمليك، فأما الضمان يفيد الملك من وقت العتق، فإنه كان قابلًا للتمليك وقت الإعتاق فجاز تمليك نصيبه منه بالضان ولم يجز بالبيع لهذا، وإذا لم يجز البيع صار الحال بعده والحال قبله سواء، وقبل البيع كان له.... أن المعتق، وإن يستسعي العبد فكذا بعد البيع، قالوا: ويجب أن يكون بيع المغصوب من الغاصب بعد الهلاك على هذا القياس والاستحسان. القياس: أن يجوز، وفي الاستحسان: لا يجوز.
وإذا كان العبد بين اثنين أحدهما صغير والآخر كبير فأعتقه الكبير وهو موسر فليس للصبي في هذا قول لا في العتق، ولا في التضمين، ولا في اختيار السعاية. يريد بقوله لا قول للصبي، وهذا لأن هذه التصرفات لا تصح من الصبي، وأنه ظاهر، فبعد ذلك ينظر إن كان له أب كان لأبيه الخيار إن شاء ضمّن المعتق، وإن شاء استسعى العبد؛ لأن تضمين المعتق بيع نصيبه بمثل القيمة معنًى، وغلات ذلك في مال الصغير، واختيار السعاية بمنزلة مباشرة عقد الكتابة، وللأب ذلك في عبد الصغير.
ووصي الأب في هذا بمنزلة الأب، وإن لم يكن للصغير أب ولا وصي للأب وله وصي للأم وكان العبد.......... الصغير عن الأم، لم يذكر محمّد رحمه الله أنه قال: سألت أستاذي الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله عن ذلك، فقال: إذا كان له وصي أم وليس له وصي غيره فله أن يضمن المعتق؛ لأن التضمين بمنزلة البيع، ولوصي الأم البيع فيما ورثه الصغير عن الأم وله استسعاء العبد أيضًا، وإن كان الاستسعاء في معنى الكتابة وليس لوصي الأم أن يكاتب إلا أن هذه كتابة حكمية، فجاز من وصي الأم، وإن لم يكن له واحد من هؤلاء..... وبلوغه للخيار إما الضمان أو الإعتاق، والاستسعاء قبل هذا إذا كان في موضع لا قاضي فيه، فأما إذا كان في موضع فيه قاضي نصب له القاضي قيمًا حتى يختار التضمين، أو السعاية؛ لأن ذلك أنفع في حق الصبي؛ لأنه يتعذر له التصرف في نصيب الصبي بعد العتق.
وإذا كان العبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر، ثم إن الآخر دبره فالتدبير جائز؛ لأنه تعليق عتق نصيبه بالموت، وتعليق عتق نصيبه بسائر الشروط منه جائز فكذا بالموت. وإذا صح التدبير برئ المعتق من الضمان وكان إقدامه على التدبير إبراءً للمعتق عن الضمان، إما لأن إقدامه على التدبير استيفاءً لنصيبه على ملكه، وإما لأن ولاية تضمين المعتق بشرط أن يملك نصيبه من المعتق بالضمان، وبالتدبير أخرجه من أن يكون قابلًا للتمليك.
فإن قيل: بالتدبير اختيار استيفاء ما بقي بعد العتق على ملكه، فأما ما فات لم يصر..... له على ملكه، فينبغي أن يكون له حق التضمين بذلك القدر.
قلنا: تعذر تضمين ما فات بدون الباقي؛ لأن الفائت مجرد المنفعة ومجرد المنفعة لا تضمن بالإتلاف، وكان للمدبر إن يستسعي العبد في نصف قيمته، ولكن نستسعيه في نصف قيمته مدبرًا؛ لأن ما فات بالتدبير لاحقًا فأما إن كان بالتدبير سابقًا ثم ورد العتق بعد ذلك فإن المدبر على خياره؛ لأن في هذا الفصل لم يوجد من المدبر ما يدل على إبراء المعتق عن الضمان فبقي خياره كما كان، فإن شاء استسعى العبد في نصيبه مدبرًا وإن شاء ضمن المعتق نصيبه مدبرًا، وإنما ثبت له الخيار؛ لأنه بالإعتاق فوت عليه منفعه الخدمة إن لم يفوت عليه منفعة البيع.
وإن كان ذلك منها جميعًا ولا يعلم أيهما أول فإنه ينبغي في القياس أن لا يضمن المعتق شيئًا وإن كان حتى يعلم أنه أعتق بعد التدبير. وفي (الاستحسان): يضمن المعتق ربع قيمته مدبرًا، وجه القياس ظاهر، وجه الاستحسان: أن إعتاق المعتق سبب الضمان، سواء كان قبل التدبير أو بعد التدبير؛ لأنه فوت على صاحبه منفعة الخدمة والبيع وإن كان بعد التدبير إن كان قبل التدبير؛ لأنه فوت على صاحبه منفعه الخدمة وإن كان بعد التدبير؛ لأنه فوّت على صاحبه منفعة الخدمة إلا أن صاحبه بالتدبير بعد الإعتاق يبرئه عن الضمان، فقد تيقنا سبب الضمان وشككنا في المبرئ، وأنه ثبت في حال دون حال فيثبت نصفه، ويبرئ عن الضمان النصف، ويبقي ضمان النصف فابتداءً قال: يضمن المعتق ربع القيمة مدبَّرًا، والله أعلم.

.الفصل السادس في عتق ما في البطن:

قال محمّد رحمه الله: إذا قال الرجل لجاريته: كل ولد تلدينه فهو حر، فهذا على كل ولد تلده، ولا يعتق شيء من الأولاد قبل الولادة؛ لأن الولادة شرط وقوع العتق، كالدخول في قوله: كل امرأة لي تدخل الدار طالق، حتى لو ضرب ضارب بطن هذه الجارية وألقت جنينًا ميتًا كان على الضارب نصف عشر قيمته إن كان غلامًا، أو عشر قيمته إن كان جارية؛ لأن الولد إن كان رقيقًا قبل الولادة كان الضارب متلفًا جنينًا رقيقًا، والحكم في جنينٍ هذا حاله ما ذكرنا، ولو مات المولى وهي حامل فولدت بعد ذلك لا يعتق الولد وكذلك لو باعها المولى وهي حامل فولدت عند المشتري لا يعتق الولد؛ لأن شرط الحنث قد وجد والمحلوف بعتقه ليس في ملكه...... اليمين لا إلى جزاء، ولو قال: كل ولد تحبلين به أو قال: تحملين به فهو حر، فكلما حبلت يعتق الولد، فلا تشترط الولادة ها هنا؛ لأن شرط وقوع العتق ها هنا حدوث الحبل لا الولادة، وإنما يعلم حدوث الحبل بعد اليمين إذا ولدت لأكثر من سنتين من وقت اليمين؛ لأن الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين، وإن ولدت لسنتين أو أقل فإنه لا يعتق الولد؛ لأنا لم نتيقن بحدوثه بعد اليمين؛ لأن الولد يبقى البطن إلى سنتين فيجوز أنه كان موجودًا في البطن وقت اليمين، وإن ضرب ضارب بطن هذه الجارية فألقت جنينًا ميتًا فعلى الضارب أرش جنين حر إذا جاءت به لأكثر من سنتين؛ لأنا تيقنًا بحدوث الحبل بعد اليمين وهو شرط العتق، فكلما حدث الحبل وقع العتق، فصار الضارب متلفًا جنينًا حرًا فعليه أرش جنين حر. وإن جاءت بالولد لسنتين أو أقل من وقت اليمين فعلى الضارب أرش جنين حر.
إن باعها المولى فولدت عند المشتري، فهذه المسألة على وجهين:
الأول: إذا ولدت عند المشتري لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء، وأنه على وجهين أيضًا: إن ولدت لأكثر من سنتين من وقت اليمين، فالبيع فاسد؛ لأنا تيقنا بعتق هذا الولد؛ لأنا تيقنا بحدوثه بعد اليمين في ملك الحالف فيتبين أنه باع الأمة وفي بطنها ولد حر فيفسد البيع. وإن جاءت (به) لسنتين أو أقل من وقت اليمين فالبيع جائز؛ لأنا لم نتيقن بحرية هذا الولد؛ لأنا لم نتيقن بحدوثه في ملك البائع بعد اليمين.
الوجه الثاني: إذا جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدًا من وقت الشراء، وفي هذا الوجه البيع جائز سواء جاءت بالولد لأكثر من سنتين من وقت اليمين أو أقل؛ لأنا لم نتيقن بحرية هذا الولد إذا لم نتيقن بحدوث الحبل في ملك البائع، لجواز أنه حدث في ملك المشتري بعد الشرط. وشرط العتق إنما يوجب العتق إذا وجد الشرط في ملك الحالف، والجواب فيما إذا مات المولى وتركها كالجواب فيما إذا باعها المولى.
إذا قال لأمته: ما في بطنك حر، فولدت ولدًا لأقل من ستة أشهر من وقت هذه المقالة يعتق. ولو ولدت ولدًا لستة أشهر فصاعدًا من وقت هذه المقالة لا يعتق؛ لأن العتق أضيف إلى الموجود في البطن فإنما يعتق من كان موجودًا في البطن وقت الإضافة، وإنما يثبت الوجود في البطن وقت الإضافة إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر.
فإن قيل: ينبغي أن يعتق نصف الذي ولدته لستة أشهر فصاعدًا؛ لأنه يعتق في حال وهو أن يكون موجودًا وقت هذه المقالة، ولا يعتق في حال وهو أن لا يكون موجودًا وقت هذه المقالة وجدت بعد ذلك، واعتبار الأحوال أصل من أصول الشرع.
قلنا: اعتبار الأحوال إنما يكون في موضع تيقن بوقوع العتق واشتبه علينا من وقع عليه العتق، وها هنا وقع الشك في العتق، وفي مثله لا تعتبر الأحوال كما لوجمع بين عبده وبين عبد غيره، وقال: أحدكما حرٌّ ومات قبل البيان.
وإن ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر، والآخر بعد الستة أشهر من وقت هذه المقالة إلا أن المدة المتخللة بين الولادتين أقل من ستة أشهر عتقا جميعًا؛ لأن المدة المتخللة إذا كانت أقل من ستة أشهر كانا توأمين، والتوأمان يكونان من بطن واحد، فتيقنا بوجودهما وقت الإعتاق.
إذا قال الرجل لأمته: إن كنت حبلى فأنت حرة، فولدت لأقل من ستة أشهر من هذه المقالة، فالجارية حرة وولدها حرٌّ، فإن ولدت لستة أشهر فصاعدًا من وقت هذه المقالة لا تعتق الجارية؛ لأن تقدير يمينه إذا كنت حبلى للحال؛ لأن قوله: إن كنت حبلى تستعمل للحال، فصار معتقًا حبلًا موجودًا، وإنما يعرف وجود الحبل في الحال بالولادة لأقل من ستة أشهر، فإن ضرب ضارب بطن هذه الجارية بعد هذه المقالة لأقل من ستة أشهر فألقت جنينًا ميتًا فعلى الضارب أرش جنين حر، وإن كان الضرب بعد هذه المقالة لأكثر من ستة أشهر فعلى الضارب أرش جنين قن، ولو وقع حيًا ثم مات كان فيه الدية كاملة؛ لأنه صار قاتلًا له بعد الولادة بالضرب السابق.
وإذا قال الرجل لأمته: إن كان أول ولد تلدين غلامًا ثم جارية فأنتِ حرة، فإن كانت جارية ثم غلامًا فالغلام حر، فولدت جارية وغلامًا في بطن واحد لا يعلم أيهما أول عتق نصف الأم، وسعت في نصف قيمتها؛ لأنها تعتق في حال وترق في حال، وعَتَقَ نصف الغلام أيضًا وسعى في نصف قيمته لهذا المعنى، والجارية رقيقة؛ لأنا تيقنا برقها ليس لها حال عتق.
وإذا قال لها: أول ولد تلدينه فهو حر، فجاءت بولد وقالت: ولدت هذا، وأنكر المولى ذلك؛ القياس: أن لا يصدق، وفي الاستحسان: يصدق، وبالقياس نأخذ وهذا هو القياس.
والاستحسان الذي ذكر في كتاب الطلاق فيما إذا قال لامرأته: إذا ولدت ولدًا فأنتِ طالق ولم يكن الحبل ظاهرًا، ولا أقر الزوج بالحبل فقالت: ولدت، القياس: أن لا تصدق. وفي الاستحسان تصدق وبالقياس نأخذ، فإن جاءت بامرأة فشهدت على الولادة فإن الولادة عند أبي حنيفة لا تثبت، حتى يقع الطلاق والعتاق.
ولو كان الزوج مقرًا بالحبل وقال لها: إذا ولدت فأنتِ حرة فقالت: ولدت، وأنكر المولى فإنها تصدق وتثبت الولادة بمجرد قولها، وتعتق عند أبي حنيفة رحمه الله، وعلى قولهما لا يعتق ما لم تشهد لها القابلة، والخلاف في هذا نظير الخلاف في الطلاق.
وإذا قال الرجل لأمتين له: ما في بطن أحدكما حر، فله أن يوقع العتق على أيهما شاء كما بعد الانفصال. إذا قال: أحدكما حر، فإن ضرب بطن أحدهما رجل فألقت جنينًا ميتًا؛ لأن الأقل من ستة أشهر منذ تكلم بالعتق فهو رقيق، ويتعين الآخر للعتق كما بعد الانفصال. إذا قال أحدكما حر ثم جاء إنسان وقتل أحدهما، فإنه يتعين الآخر للعتق كذا ها هنا. ولو ضرب رجلان كل واحد منهما بطن أحدهما، وألقت كل واحدة جنينًا ميتًا؛ لأن من ستة أشهر منذ تكلم بالعتق كان في كل واحد منها مثل ما في جنين الأمة كما بعد الانفصال. والحاصل: أن الجنين في حق قبول الإعتاق والمنفصل سواء.
وإذا قال الرجل لأمته: وهي حامل قد أعتقت ما في بطنك على ألف درهم فقالت: قد قبلت ذلك، ثم وضعت غلامًا لأقل من ستة أشهر فإن الغلام يعتق؛ لأنه علق عتق ولد موجود في البطن بقبولها الألف، فيعتبر بما لو علق عتقه بشرط آخر، وهناك إذا وجد الشرط يقع العتق كذا ها هنا، وإن عتق الجنين لا يجب المال على الجنين، ولا على الجارية لا يجب على الجنين؛ لأن الأب لا يلي هذا العقد على الجنين مع أنه يلي عليه بعد الانفصال فلأن لا تلي الأم عليه هذا العقد وهي لا تلي عليه بعد الانفصال أولى. ولا يجب على الجارية؛ لأن العتق ما لا يجب على غير المعتق بحال.
وإذا قال لأمته: ما في بطنك حرّ متى أدى إليّ ألفًا أو إذا أدى إليّ ألفًا، فوضعت لأقل من ستة أشهر فهو حر متى أدى إليه ألف درهم، وهذا لما ذكرنا أن الجنين في حق قبول الإعتاق والمنفصل سواء. ولو قال له بعد الانفصال: متى أديت إليّ ألفًا إذا أديت إليّ ألفًا فأنت حر، فأدى إليه ألف درهم في أي وقت ما أدى يعتق كذا ها هنا.
وإذا كانت الأمة بين رجلين، فأعتق أحدهما ما في بطنها وهو غني فولدت بعد ذلك غلامًا ميتًا بيوم، فلا ضمان على المعتق إما لأنه وقع الشك في إيجاب الضمان لوقوع الشك في حياته، أو لأن العتق لا يصح إلا في الحي ولا تظهر الحياة في حقها إلا بالولادة، فصار العتق المضاف إلى ما بعد الولادة كأنه قال: الولد الذي تلدينه حر.
ولو قال: هكذا وولدت ولدًا ميتًا لا يعتق كذا ها هنا. فإن ضرب رجل بطنها فألقت جنينًا ميتًا فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: يضمن الضارب ما يضمن في جنين الأمة، وعلى قولهما: يضمن في جنين الحرة، وهذا لأنا حكمنا بحياة جنين أوجبنا الضمان حكمنا بصحة الإعتاق، إلا أن الإعتاق عندها لا يتجزئ فعتق كله فصار الضارب متلفًا جنينًا حرًا، وعند أبي حنيفة رحمه الله: الإعتاق متجزئ فاقتضى الإعتاق على نصيب المعتق، وصار في معنى المكاتب، فكان الضارب متلفًا جنينًا مكاتبًا، فيضمن عشر قيمته مكاتبًا إن كان ذكرًا، أو نصف عشر قيمته مكاتبًا إن كان أنثى، والله أعلم.

.الفصل السابع في الحضومات أربعة في الرق والحرية والشهادة على ذلك:

ذكر شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله في شرح كتاب الصلح: رجل ادعى أمة، وقال: هذه أمتي وقالت الأمة: لا بل أنا حرة، فصالحها المدعي من ذلك على مائة تدفعها إلى المدعي فهو جائر، فإن أقامت بعد ذلك بينة أنها حرة الأصل، أو أنها كانت لهذا المدعي أعتقها عام أول تريد الرجوع بالمائة على المدعي قبلت بيّنتها وبطل الصلح، وإن أقامت بينة أنها كانت لفلان عام أول أعتقها في ذلك الوقت لا تقبل بينتها، ولو كان مكان الأمة عبدًا وأقام بينة على حرية الأصل أو على أن المصالح أعتقه عام أول، وهو يملكه، إن كان الصلح من العبد مع إرادة الرق للمدعي قبلت بينته ورجع بالمئة على المولى؛ لأنه غير متناقص فيما ادعى.
وإن كان الصلح مع إقرار العبد بالرق على نفسه فكذلك الجواب عندهما تقبل بينة العبد على ذلك؛ لأن العبد وإن صار متناقصًا وبطل دعواه لمكان التناقص إلا أن البينة على عتق العبد عندهما مقبولة بدون الدعوى، فأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلا تقبل بينة العبد على ذلك؛ لأن عند الدعوى من العبد شرط قبول بينته على عتقه، وقد بطل الدعوى ها هنا لمكان التناقض. وفي الأمة تقبل البينة على كل حال عند الكل، وإن بطل دعواها في فصل الإقرار لمكان التناقص، إلا أن دعواها ليست بشرط لقبول البينة على عتقها، هذا من جملة ما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في شرح كتاب الصلح، ثم إنه رحمه الله سوّى في هذه المسألة بين (العتق) الأصلي، وبين العتق العارضي عند أبي حنيفة رحمه الله، وجعل دعوى العبد فيما شرطا لقبول البينة، وجعل التناقص مانعًا صحة الدعوى، وهذا فصل اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة رحمه الله.
بعضهم قالوا: دعوى العبد في حرية الأصل ليس بشرط لقبول الشهادة عليها، والتناقص فيها ليس بمانع صحة الدعوى، وقبول الشهادة عليها كما هو قولها، وإنما الخلاف في العتق العارضي.
وبعضهم قالوا: دعوى العبد عند أبي حنيفة رحمه الله شرط في العتق الأصلي والعارضي جميعًا، إلا أن التناقص لا يمنع صحة دعوى العتق الأصلي، فلا يمنع قبول الشهادة ويمنع صحة دعوى العتق العارضي، فيمنع قبول الشهادة.
وبعضهم قالوا: دعوى العبد شرط في العتق الأصلي والعارضي جميعًا، والتناقص فيها مانع صحة الدعوى وقبول الشهادة، وإليه ذهب شيخ الإسلام في شرح كتاب (الصلح) على ما ذكرنا.
والأصح: أن دعوى العبد عند أبي حنيفة رحمه الله شرطهما، والتناقض لا يمنع صحة الدعوى فيهما؛ لأن طريقهما طريق الخفاء والتناقص فيما طريقه طريق الخفاء لا يمنع صحة الدعوى، إلا أن المرأة إذا اختلعت من زوجها على مهرها ونفقة عدتها، ثم أقامت بعد ذلك بينة أن الزوج قد كان طلقها ثلاثًا قبل الخلع قبلت بينتها، وإن صارت متناقضة في دعوى الطلقات الثلاث بالإقدام على الخلع، إنما كان كذلك؛ لأن الزوج ينفرد بإيقاع الطلاق الثلاث، ولا يتوقف ذلك على علم المرأة فكان طريقه طريق الخفاء، فجعل التناقض فيه عفوًا، أو نقول: التناقض إنما يؤثر فيما يحتمل البعض بعد ثبوته، والعتق الأصلي والعارضي لا يحتمل البعض بعد ثبوته. ألا ترى أن التناقض في باب النسب لا يمنع صحة الدعوى وأن الملاعن إذا كذب نفسه ثبت النسب منه، فطريقه ما قلنا.
أمة بين رجلين شهد رجلان على أحدهما بعينه أنه أعتقها، وكذبته الأمة وادعت على الآخر الإعتاق وجحد الآخر، وحلف عند القاضي أنه ما أعتقها، فإنها تعتق بشهادة الشهود وإن لم يوجد منها الدعوى لما شهد به الشهود، فقد عرف أن الشهادة القائمة على عتق الأمة تقبل بدون الدعوى. ألا ترى أن الأمة إذا كانت كلها للمشهود عليه كانت تعتق بالشهادة بدون الدعوى.
فإن قيل: الأمة إذا كانت كلها للمشهود عليه إنما تقبل الشهادة بدون الدعوى؛ لأنها توجب حرمة الفرج، وهذه الشهادة لا توجب حرمة الفرج. قيل: الشهادة ثابته هاهنا، قلنا: لا بل هذه الشهادة توجب حرمة الفرج؛ لأن قبل هذه الشهادة لم يكن فرجها حرامًا على المعتق حرمة توجب الحد لو وطئها، وبعد هذه الشهادة حرم فرجها عليه حرمة توجب الحد لو وطئها، فكانت هذه الشهادة قائمة على تحريم الفرج من هذا الوجه.
وفي (المنتقى): ابن سماعة عن محمّد رحمه الله في رجل قال: كل مملوك أمكله أو اشتريته إلى سنة فهو حر، وحاجّه عبد له في ملكه يعني في ملك يوم اليمين أقام البينة على هذه اليمين وقضى القاضي ثم اشترى الحالف عبدًا في تلك البينة فخاصمه العبد المشتري إلى القاضي، فالقاضي يأمره بإعادة البينة، وهذا بلا خلاف، والمعنى ما أشار إليه ثمة أن البينة ما كانت للأول على قول: كل عبد أملكه. ولم أقبل البينة على غير ذلك.
ولو خاصمه عبد آخر كان في ملكه وقت اليمين فالقاضي لا يقضي بعتقه عند أبي حنيفة حتى (يقيم) العبد البينة، وعلى قول محمد يقضي بعتقه ولا يكلف إعادة البينة. وعلى هذا إذا قال: كل مملوك لي حر، وخاصمه عبد له في ملك ذلك، وأقام البينة على اليمين فقضى القاضي بعتقه، ثم خاصمه عبد آخر له فالقاضي هل يكلف إعادة الشهود؟ فهو على هذا الخلاف.
وكذا لو قال كل عبد أملكه إلى سنة فهو حر فاشترى عبدًا في السنة، وخاصمه العبد عند القاضي، وأقام عليه بينة بهذه اليمين وقضى القاضي بعتقه، ثم اشترى عبدًا آخر وخاصمه إلى القاضي فالقاضي يعتقه، ولا يكلفه إعادة البينة عند محمّد رحمه الله، علل فقال: لأني قضيت على الحالف بتلك اليمين فالبينة لهما، أشار إلى أن اليمين واحدة لفظًا، وقد ثنتت بينته الأولى، فيظهر ذلك في حق الثاني فلا حاجة له إلى إعادة البينة. وعلى قول أبي يوسف يكلف الثاني إعادة البينة، هذه الجملة مذكورة في عتاق (المنتقى).
وذكر في أقضية (المنتقى): ابن سماعة عن أبي يوسف رجل شهد عليه شاهدان أنه قال كل عبد أشتريه فهو حر، فاشترى عبدًا وخاصمه في العتق إلى القاضي وأعتقه القاضي بشهادتهما، ثم اشترى عبدًا آخر، وخاصمه في العتق، فإن أبا حنيفة قال لا أعتقه حتى بعد البينة، وقال أبو يوسف أعتقه، ولا أعيد البينة، ذكر قول أبي يوسف في الأقضية بخلاف ما ذكر في العتاق، وذكر قول أبي حنيفة في الأقضية ولم يذكر في العتاق، وذكر قول محمّد رحمه الله في العتاق ولم يذكر في الأقضية.
وذكر في كتاب الأقضية في (المنتقى) مسألة أخرى من هذا الجنس وصورتها: إذا قال الرجل: إن دخل هذه الدار فكل مملوك أشتريه إلى سنة فهو حر، فدخل الدار ثم اشترى عبدًا فأقام البينة بيمينه ودخوله وشرائه، وهو يجحده، قضى القاضي عليه بالعتق، ثم اشترى عبدًا فأقام البينة بيمينه ودخوله وشرائه، وهو يجحده، قضى القاضي عليه بالعتق، ثم اشترى عبدًا آخر وخاصمه العبد الآخر في العتق، معنى قول أبي حنيفة رحمه الله القاضي لا يقضي بعتقه حتى يعود الشهود فيشهدون للثاني بمثل ما شهدوا للأول، وقال أبو يوسف: أعتقه بالشهادة الأولى.
وفي عتاق (المنتقى) قال محمّد رحمه الله: لو قال المولى سالم ويرجع وميمون أحرار، فأقام أحدهم البينة على مقالته، ثم جاء الآخران لم يكلفا إعادة البينة؛ لأنه عتاق واحد. ولو قال: سالم حر ويرجع وميمون حر وأقام أحدهم البينة على ذلك، ثم جاء الآخران كلفا إعادة البينة؛ لأنه عتاق مختلف.
وفيه أيضًا إبراهيم عن محمّد رحمه الله في عبد أقر أنه عبد هذا، ثم قال هذا العبد للقاضي: استحلفه ما أعتقني، فالقاضي يستحلفه. ولو قال: استحلفه ما يعلم أني حق الأجل فالقاضي لا يستحلفه؛ لأنه أقر أنه عبده.
رجل في يديه صبي صغير لم يستمع منه أنه عبده يعني لم يستمع من صاحب اليد أنة عبده، ولم يستمع من الصبي أيضًا أنه عبده حتى كبر، فقال: أنا حر فالقول قوله، قال هشام سألت أبا يوسف رحمه الله عن رجل قال لرجل: أنا مولى أبيك أعتقني، وجحد ذلك الرجل أن يكون له أبًا أعتقه، قال: هو مملوك، وإن قال: أنا مولى أبيك ولم يقل أعتقني قال هو حر؛ لأنه قد يكون مولاه من قبل جده، وإن قال أنا مولى أبيك أعتق أبوك أبي وأمي فهو حر.
قال هشام: سمعت محمّدًا يقول في رجل أعتق جارية له وهي تسمع، ثم جحدها وقضى القاضي عليها بالرق بعدما حلف الرجل، قال أتتزوج منه؟ قلنا: يسعها أن تتزوج قال: قلت، فإن مات أبوها عرفًا........ فلا.
سمع قوم من رجل أنه قال لعبده: هذا حر لوجه الله، ثم رأه معه بعد ذلك يقول: هو عبدي، فشهد أولئك القوم عليه أنه أعتقه أمس، فقال المشهود عليه أعتقه أمس، وأنا لا أملكه وإنما اشتريته اليوم، فالشهود يقولون: إنه أعتقه أمس، ولكن لا ندري أكان له أم لا، فالقاضي لا يقضي بعتق العبد حتى يشهدوا عليه أنه أعتقه وهو يملكه، قال: وكذلك الطلاق.
وفي (نوادر بشر) عن أبي يوسف: رجل أعتق أمة ثم اختصما عند القاضي وفي حجرها ولد وفي يدها كسب اكتسبته فقال المولى: أعتقتك بعد الولادة والكسب، وقالت المرأة: لا بل أعتقتني قبل الولادة والكسب فالقول قول المرأة. ولو قال: الكسب في يد المولى فالقول قول المولى، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.
وفي دعوى (الجامع): ادعى رجل على رجل أنه عبده وجحد المدعى عليه، وقال: أنا حر الأصل لم أُمْلَكْ قط فالقول قوله وهذا معروف، فإن أقام المدعي بينة أن نصف العبد له قضى القاضي بنصف العبد له والنصف الآخر يكون موقوفًا لا يقضى فيه برق ولا حرية، لا..... يقضي بالرق؛ لأنه لابد للقضاء من المقضي له ولا مقضي له ها هنا، وأما لا يقضي بالحرية إما بحرية الأصل؛ لأن القاضي لما قضى بالرق في النصف للمدعي فقد أبطل حرية الأصل في النصف الباقي؛ لأن الشخص لا يجوز أن يكون نصفه رقيقًا ونصفه حر الأصل، وإما بالحرية العارضة فلأن العارضة تبنى على الرق والملك، وتعذر القضاء بالرق، فالملك في النصف الباقي؛ لأن القضاء لابد له من مقضي عليه معلوم، فلم يوجد، فإن جنى العبد جناية بأن قتل رجلًا خطأ قيل لولي القتيل: أعبد هو أم حر.
فإن قال: هو عبد قيل للمقضي له بنصفه ادفع هذا النصف وأمره بنصف الدية، ويوقف النصف الباقي فلا يقضى فيه بشيء؛ لأنه لا يدري أنه رقيق أو حر. وإن قال: هو حر لا يقضي بشيء لا على المقضي له بنصفه ولا على العبد. أما على المقضي له؛ لأنه لما قال: هو حر فقد أبرأ المقضي له، وأما على العبد فلأن الحرية لا تثبت بمجرد قوله، وفي القتيل بعدما قضى القاضي..... يأتي بالبينة، فإن أقام ولي القتيل بينة على الحرية كانت (بينة) الحرية أولى من بينة الرق، وينقضي بها الحكم للأول ولو. ولم يجن هذا الشخص ولكن جنى عليه فيما دون النفس يقضى على الجاني بأرش العبد، وهو في شهادته وحدوده وجميع أموره بمنزلة الرق؛ لأنه جرى الحكم برقه من النصف، والنصف الآخر حاله موقوف أنه رقيق أو حر فلا يمكن إيجاب شيء من أحكام الحرية من كل وجه.
وإذا شهد الشهود أنه أعتق عبده سالمًا، ولا يعرفون سالمًا وله عبد اسمه سالم، ولا عبد له غيره فإنه تقبل هذه الشهادة وقضي بعتقه؛ لأن الثابت بالبينة العادلة كالثابت عيانًا، ولو عَايَنَا أنه أعتق عبده سالمًا ولا يعرف له عبد بهذا الاسم إلا هذا قُضي بعتقه، كذا ها هنا، ثم إن كان سالم يدعي العتق فالمسألة على الوفاق، فإن كان لا يدعي فالمسألة على الخلاف.
وإن كان له عبدان اسم كل واحد منهما سالم، فهذا وما لو شهدا أنه أعتق أحد عبديه سواء هي المسألة التي تلي هذه المسألة، ولو شهدا أنه أعتق أحد عبديه فهذا على وجهين: إما إن شهدا أنه أعتق في حال حياة المولى بذلك والمولى يجحد، وفي هذا الوجه لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة، وعندهما تقبل ويقال للمولى من (أردت)، وهذا بناءً على ما قلنا أن عند أبي حنيفة رحمه الله دعوى العتق من العبد بشرط، والدعوى من المجهول لا تتحقق.
فإن قيل: كيف يجعل هذه المسألة بناءً على ذلك، فقد ذكر محمّد رحمه الله أنهما لو شهدا عليه أنه أعتق إحدى أمتيه لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله ودعوى الأمة ليس بشرط بلا خلاف، قلنا: دعوى الأمة إنما لا تشترط عنده إذا قامت البينة على عتق أمةٍ بعينها؛ لأن المحلية في عتق أمة بعينها حق الله تعالى لما فيه من تحريم الفرج، فأما إذا قامت البينة على عتق إحدى الأمتين فليس فيه تحريم الفرج على قوله، فقد عرف من أصله أن العتق المبهم لا يحرم وطأها بل يحل له وطأها، وبعد ما وطئ إحداهما يكون له حق البيان في الموطوءة، وإذا لم يوجد هذا العتق تحريم الفرج لم تكن الشهادة قائمة على أن المحلية فيه حق الله تعالى فكانت بمنزلة ما لو قامت على عتق أحد العبدين.
وإن شهدا بعد وفاة المولى أنه أعتق أحد عبديه في حال صحته فهو على وجهين: أما إن شهدا أنه أعتق أحد عبديه في حال صحته، وفي هذا الوجه لا تقبل هذه الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله، فإن شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته فالقياس: أن لا تقبل هذه الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله، وفي الاستحسان: تقبل. ذكر القياس والاستحسان فيما إذا كانت الشهادة على إعتاق أحدهما في مرض موت المولى، ولم يذكر القياس والاستحسان فيما إذا كانت الشهادة في حال صحة المولى.
ولو شهدا بعد موت المولى أنه دبر أحد عبديه في حال الصحة، أو قالا: في حالة المرض تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة رحمه الله قياسًا واستحسانًا، وجه القياس في فصل المرض: أن هذه الشهادة قامت على عتق أحد العبدين حالة الحياة، فلا تقبل قياسًا على ما إذا شهد أنه أعتق (أحد) عبديه في حالة الصحة.
وجه الاستحسان: أن المانع من قبول الشهادة على عتق أحد العبدين في حال حياة المولى خلوها عن الدعوى، وقد جدت الدعوى بعد الموت، إلا أن المشايخ اختلفوا في أن المدعي بعد موت الوصي أو العبدان فمنهم من قال: المدعي هو الوصي، وأنه عين والدعوى من المعين صحيحة، ومنهم من قال: المدعي هو العبدان وأنهما معينان وهو الصحيح وعليه عامة المشايخ، وإنما صحت دعوى العبدين بعد موت المولى إذا كان الإعتاق في حالة المرض؛ لأن الإعتاق في المرض وصية حكمًا إن لم تكن وصية حقيقة، ولهذا يعتبر من الثلث، والثالث حكمًا معتبر بالثالث حقيقة، ولو كانت الوصية بالعتق ثابتة حقيقة فالدعوى منهما صحيحة، وإنما يوجب الحق لأحدهما؛ لأن إيجاب الحق لأحدهما بعد الموت إيجاب فيهما معنى؛ لأنه أوجب الحق لأحدهما في حال لا يتصور ثبوته لأحدهما؛ لأنه إنما يثبت لأحدهما إذا حصل في وقت كان للمولى حق البيان، ولا يتصور للمولى حق البيان بعد الموت؛ فكان إيجاب الحق لأحدهما إيجابًا لهما، ولو أوجب لهما صحت دعواهما كذا ها هنا.
وهذا الخلاف ما لو شهدا على إعتاق أحد العبدين في حالة الصحة، فإن هناك لم توجد الدعوى؛ لأن دعوى العبدين في تلك الصورة غير صحيحة، وإن كان العتق الواقع في حالة الصحة يشيع فيهما بعد موت المولى فيثبت الحق لهما، إنما كان كذلك؛ لأن الحق لم يثبت للعبدين في هذه الصورة من المولى، لا نصًا ولا من حيث المعنى؛ لأنه أوجب الحق في وقت يتصور موته لأحدهما فلا يكون إيجابًا لهما، وإنما يشيع فيهما بعد الموت ضرورة تنفيذ العتق، فيظهر ثبوت الحق لهما في حق تنفيذ العتق لا في حق صحة الدعوى؛ لأن تنفيذ الواقع لا يخلو عن الدعوى في الجملة بأن لم يقع ثمة لحاجة، وإذا لم يظهر ثبوت الحق لهما في حق صحة الدعوى كان الحق في حق الدعوى ثابتًا لأحدهما والدعوى من أحدهما لا تتصور.
وإذا شهدا على رجل أنه أعتق عبده هذا واختلفا في الزمان بأن شهد أحدهما أنه أعتقه في يوم الخميس، وشهد الآخر أنه أعتقه يوم الجمعة واختلفا في المكان، قبل القاضي شهادتهما؛ لأن العتق تصرف قولي، والقول مما يعاد ويكرر فيكون الثاني غير الأول فقد اتفقا على عتق واحد.
وكذلك إذا شهد أحدهما..... العتق والآخر على إقرار المولى بالإعتاق بأن شهد أحدهما أن المولى (قال له:) له أعتقتك، وشهد الآخر أن المولى قال: قد كنت أعتقته لأنهما اتفقا على قوله: أعتقت إلا أن أحدهما تفرد بالزيادة، غير أن التفرد بالزيادة إذا كان لا يغير الحكم لا يمنع القبول.
وكذلك إذا شهد أحدهما أنه أعتقه وشهد الآخر أنه حرره أو شهد أحدهما أنه قال له: أنت حر وشهد الآخر أنه قال له: أعتقتك؛ لأنهما اتفقا معنى؛ لأن معنى العتق والحرية واحد، إلا أنهما اختلفا لفظًا والاختلاف لفظًا مع الاتفاق معنى لا يمنع قبول الشهادة فيما يثبت مع الشبهات، كما لو شهد أحدهما بالنكاح وشهد الآخر بالتزويج، وكذلك إذا شهد أحدهما أنه أعتقه بالفارسية وشهد الآخر أنه أعتقه (بالفارسية) تقبل شهادتهم؛ لأنهما اتفقا معنى، هكذا ذكر شيخ الإسلام في (شرحه).
وذكر في (المنتقى) عن أبي يوسف إذا شهد شاهد أنه قال لعبده: أنت حر وشهد آخر أنه قال له: توزاداي تقبل قال: لأنه ليس وجه عتق وذكر فصل الطلاق ثمة للقضاء، وقال: إذا اختلف شاهدا الطلاق وشهد أحدهما بالنبطية أو بالفارسية أو بلسان آخر، وشهد الآخر أنه طلقها بالعربية لم تجز شهادتها، ولو كان هذا في الإحراز بمال آخر به قال: وليس الطلاق كذلك؛ لأني أنويه في الطلاق في وجوه كثيرة. وفي (الأصل): وإذا اختلفا في الشرط الذي علق به العتق بأن شهد أحدهما أنه قال له: إن دخلت الدار فأنت حر وشهد الآخر أنه قال له: إن كلمت فلانًا فأنت حر وأشباه ذلك لم تجز الشهادة؛ لأنهما شهدا بيمينين مختلفين؛ لأن الثاني لا يصلح تكرارً للأول، فهما مختلفان وليس على كل واحد منهما إلا شاهد واحد، بخلاف ما لو شهدا بعتق منجز في يومين؛ لأن هناك يمكن أن يجعل الثاني تكرارًا للأول فيجعل اتفاقهما على شيء واحد.
وفي (المنتقى): إذا قال الرجل لعبده: إن كلمت فلانًا فأنت حر فشهد عليه شاهد أنه كلمه اليوم، وشهد الآخر أنه كلمه أمس لا تقبل الشهادة، وذكر ثمة أيضًا أنه إذا قال لامرأته: إن كلمت فلانًا فأنت طالق، فشهد عليه شاهد أنه كلمه غدوة والآخر عشية أنه تقبل الشهادة.
وعن إبراهيم عن محمّد رحمهما الله: إذا شهد رجل على رجل أنه أعتق أمته هذه وتزوجها وشاهد آخر على إقراره أنه أعتقه وتزوجها قال: تعتق ولا يثبت النكاح.
وفي (الأصل): إذا شهد شاهدان على رجل أنه قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر، وقال المولى: إنما قلت له إن كلمت فلانًا فأنت حر فأيهما ما فعل فهو حر، وقد ثبت اليمينان إحداهما بالشهادة، والأخرى بالإقرار. ولو شهد أحدهما أنه أعتقه (على) جعل وشهد الآخر أنه أعتقه بغير جعل لا تقبل الشهادة؛ لأن أحدهما شهد بعتق معلق بالقبول والآخر شهد بعتق منجز، وهما متاغيران فلا يمكن أن يجعل الثاني تكرار الأول.
ولو اتفقا على العتق بجعل واختلفا في مقدار الجعل بأن شهد أحدهما أنه أعتقه بألف، وشهد الآخر أنه أعتقه بألف وخمسمائة فهذه المسألة على وجهين: أما إن كان العبد يدعي العتق والمولى يجحد، وفي هذا الوجه لا تقبل شهادتهما سواء كان العبد يدعي العتق بأقل المالين أو بأكثر المالين..... حاجة العبد إلى إثبات العتق إذا كان المولى منكرًا له والعتق بألف غير العتق بألف وخمسمائة، وأما إن كان المولى يدعي العتق والعبد ينكر، وفي هذا الوجه: إن كان المولى يدعي العتق بألف وخمسمائة تقبل الشهادة على الألف، وإن كان يدعيه (بألف) لا تقبل الشهادة أصلًا؛ لأن العتق ثبت بإقرار المولى لا حاجة لإثباته بالشهادة وإنما الحاجة إلى إثبات المال فكأن الدعوى وقعت في مطلق المال وشهد أحد الشاهدين بألف والآخر بألف وخمسمائة وهو يدعي الألف والخمسمائة، وهناك تقبل الشهادة على الألف ولو كان يدعي الألف لا تقبل الشهادة أصلًا.
وإذا ادعى العبد أن المولى أعتقه بألف وأقام عليه شاهدين، وادعى المولى أنه أعتقه بألفين وأقام عليه شاهدين فالبينة بينة المولى؛ لأن العمل بالبينتين متعذر لتعذر إثبات العتق بالمالين؛ لأن المولى متى أعتقه على ألف وقبل لا يمكنه أن يعتقه على ألفين بعد ذلك فلابد من العمل بإحدى البينتين فكان العمل ببينة المولى أولى؛ لأن بينة المولى تثبت لزيادة وتثبت الحق لصاحبها، والعبد بينته تثبت الحق لغيره فكان المولى أشبه بالمدعيتين.
وهذا، بخلاف ما إذا أقام العبد بينة أن المولى قال له: إذا أديت إليّ ألفًا فأنت حر، فأقام المولى بينة أنه قال له: إن أديت إلىّ ألفين فأنت حر، فإذا (أدى) العبد إليه ألف درهم فإنه يعتق ولا شيء عليه؛ لأن هناك العمل بالبينتين في إثبات اليمينين ممكن لجواب أن المولى قال له: إن أديت إليّ ألفين فأنت حر فقبل، ثم قال له: إن أديت إليّ ألفًا فأنت حر، فقبل وهناك لو أدى إليه ألف درهم عتق ولا شيء عليه كذا ها هنا.
ولو شهد شاهدان أنه باع نفس العبد منه بألف درهم، وشهد آخران أنه باع نفس العبد منه بألفي درهم، هذا وما (إذا) شهدا أنه أعتقه على ألف وعلى ألفين سواء فإذا شهد أنه أعتق عبدًا قد سماه لنا إلا أنا نسيناه والمولى يجحد ذلك لا تقبل شهادتهما.
وكذلك إذا شهدا على رجلين أن أحدهما أعتق عبده، ولا ندري أيهما كان لا تقبل شهادتهما لمكان العقل والنسيان.
وإذا شهد أحدهما أنه أعتق عبده هذا، وشهد الآخر أنه وهب نفسه منه فالقاضي لا يقبل شهادتهما؛ لأنهما اختلفا لفظًا ومعنى؛ لأن العتق موضوع للإسقاط ليس فيه معنى التمليك، والهبة تمليك وليس فيها معنى الإسقاط بوجه.
ولو شهدا جميعًا أنه وهب نفس العبد منه وجب القضاء بالعتق؛ لأنهما اتفقا على لفظة الهبة فتثبت لفظة الهبة بشهادتهما، وصار كالثابت عيانًا. ولو عاينا أنه وهب نفس العبد من العبد فإن العبد يعتق، فكذا إذا ثبت ذلك بالبينة. وإن قال المولى: لم أنوِ العتق لا يصدق قضاءً ويصدق فيها بينه وبين ربه.
ولو شهدا أنه أوصى بنفس العبد للعبد وجب القضاء بالعتق؛ لأن الوصية عقد تمليك كالهبة، فإنهما شهدا أنه وهب نفس العبد منه إلا أنه كان قال أضيف لك بنفسك للحال، فإنه يعتق للحال وإن أطلق الوصية إطلاقًا يعتق بعد الموت على قياس ما روي عن محمّد رحمه الله في النكاح.
إذا قال الرجل لغيره: أوصيت لك ببضع ابنتي للحال ثبت النكاح للحال، فإذا أطلق ينصرف إلى ما بعد الموت فلا يصح النكاح فكذا ها هنا.
وإذا قال الرجل لعبدين له: أيكما أكل هذا الرغيف فهو حر، فأكلاه جميعًا لا يعتق واحد منهما. أطلق محمّد رحمه الله المسألة في (الأصل) إطلاقًا. من مشايخنا من قال: هذا إذا كان الرغيف بحال يمكن ذلك لواحد منهما أكل جميعه، أما إذا كان بحال لا يمكن لواحد منهما أكل جميعه ينبغي أن يعتقان، ومنهم من قال: لا يعتقان على كل حال وهو الأصح. وإطلاق محمّد رحمه الله في (الأصل) يدل عليه، والرغيف في هذا يخالف مسألة الخشبة إذا علق العتق بحملها وقد بينا ذلك في الفصل الثالث من هذا الكتاب. فإن أقام أحد العبدين بينة أنه أكل الرغيف وحده وقضى القاضي بعتقه ثم أقام الآخر بعد ذلك بينة أنه هو الذي أكل الرغيف وحده فالقاضي لا يقضي بعتقه ولا ينقض قضاءه الأول. فرق بين هذا وبينما إذا جاء الغلامان معًا، وأقام كل واحد منهما البينة أنه أكل الرغيف كله فالقاضي لا يقضي لكل واحد منهما.
والفرق: أن إحدى البينتين كاذبة بيقين وكل واحدة يجوز أن تكون هي الكاذبة، وعلى هذا التقدير لا يجوز القضاء بها، فإذا جاءا معًا وكل واحدة يجوز أن تكون هي الكاذبة فقد وقع الشك في جواب القضاء بكل واحدة منهما ولا يجوز القضاء بالشك، فأما إذا أقام أحدهما بينة أولًا نفذ بعد القضاء ظاهرًا وليس هناك ظاهر يمنع نفاذ القضاء وهو قيام دليل الكذب في البينة الأولى، فإذا أقام الآخر بعد ذلك البينة فقد وقع الشك في نقض القضاء، إن كانت الكاذبة هي الأولى ينقض القضاء للأول، وإن كانت الكاذبة هي الثانية لا ينقض القضاء للأول، والقضاء لا ينقض بالشك كما لا ينقض بالشك.
فرع:
على ما إذا جاء الغلامان معًا وأقام كل واحد منهما بينة أنه هو الذي أكل الرغيف فقال: إذا لم يقبل القاضي بينة الغلامين وردهما فأتت بينة أحدهما، ثم أعاد الغلام الآخر بينة على القاضي على ما شهدت له به أولًا فإن القاضي لا يقبل شهادتهم؛ لأنه رد شهادتهم مرة لتهمة الكذب، ولو لم تمت واحدة من البنتين حتى مات أحد الغلامين..... بشهادين آخرين يشهدان له بما شهدت به الشهود الأول، وجاء الغلام بالشهود الذين شهدوا أول مرة حتى يشهدوا له بمثل ما شهدوا له به أول مرة فإن القاضي يقضي للغلام الذي جاء بشاهدين آخرين. بخلاف ما إذا جاء الغلام الآخر بشاهدين آخرين فإن القاضي لا يقضي لواحد منها والفرق: أنه إذا أقام كل واحد منهما بينة أخرى فليست إحدهما أن تجعل كاذبة بأولى من الأخرى فيتهاتران جميعًا لمكان التعارض، أما ها هنا البينة ردها القاضي لتهمة الكذب بقيت كاذبة بقضاء القاضي، ولم تبق معارضة للأخرى فيمت القضاء بالأخرى.
وإذا كان العبد مشتركًا بين رجلين، فشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه لا تقبل شهادته موسرًا كان المشهود عليه أو معسرًا، إن كان موسرًا فلأنه يثبت لنفسه بهذه الشهادة حق تضمين صاحبه، ولأنه شهد بعبده فإنه يملك بعضه، وإن كان معسرًا فللمعتق الثاني، وإذا لم يقبل شهادته بقي معسرًا أن صاحبه أعتق نصيبه. وأحد الشريكين إذا أقر على صاحبه أنه أعتق نصيبه وصاحبه يجحد فالعبد لا يترك رقيقًا بل يعتق ويسعى في جميع قيمته بينهما نصفان عند أبي حنيفة رحمه الله سواء كانا موسرين أو كانا معسرين أو كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا، وعندهما يسعى للمشهود عليه في نصف قيمته إن كان المشهود عليه معسرًا، ولا يسعى له في شيء إن كان المشهود عليه موسرًا.
فرع على قول أبي حنيفة رحمه الله:
فقال: إذا وجبت السعاية لهما لو شهد أحدهما على صاحبه أنه استوفى السعاية من العبد لا تقبل شهادته؛ لأنه يشهد لنفسه لأنه يثبت لنفسه حق المشاركة مع صاحبه فيما استوفاه من السعاية، لأن ما من حر يستوفيه أحدهما من هذه السعاية إلا وللآخر حق المشاركة معه.
وكذلك إذا استوفى أحدهما نصيبه من السعاية، ثم شهد على صاحبه باستيفاء نصيبه لا تقبل لأنه يشهد لنفسه، فالمقبوض يسليم له إذا قبض صاحبه نصيبه بعد ذلك.
وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر، شهد اثنان منهم على صاحبه أنه أعتق نصيبه، وأنكر المشهود عليه فالعبد يسعى بينهم أثلاثًا، وإذا استوفى أحدهم شيئًا من السعاية، كان للآخرين أن يأخذا منه ثلثي ما أخذ، وإذا شهد اثنان منهم على الآخر أنه يستوفي نصيبه من السعاية لا يقبل. والجواب في هذه المسألة والجواب في المسألة الأولى سواء إلا أن هناك الاختيار.....؛ لأن الشريك اثنان وها هنا الحساب بالمثالثة، لأن الشريك ثلاثه. وإذا كان العبد بين ثلاثة غاب أحدهم فشهد الحاضران على الغائب أنه أعتق نصيبه من هذا العبد فإنه يحال بين العبد وبين الحاضرين؛ فإذا حضر الغائب فقال للعبد: أعد البينة فأعاد البينة عليه فقضى عليه يعتق نصيبه وهو قول أبي حنيفة، وعلى قولهما القاضي يقبل هذه الشهادة في الحال ويقضي بعتقه، وإذا حضر الغائب لا يؤمر العبد إعادة البينة عليه.
والحاصل: أن هذه الشهادة على العتق مقبولة على الغائب عند أبي يوسف ومحمّد رحمهما الله، وعند أبي حنيفة رحمه الله هذه الشهادة لا تقبل على العتق على الغائب، أما تقبل في حق قصر الحاضرين وهذا بناءً على أن عند أبي حنيفة رحمه الله الإعتاق يتجزئ، فإنهما شهدا بعتق نصيب الغائب لا غير، فالشهادة على العتق قامت على غائب ليس عنه خصم حاضر فلا تقبل، فأما في حق قصر يد الحاضرين قامت على الحاضر فقبلت، وعندهما الإعتاق لا يتجزئ، فالشهادة على العتق قامت على الحاضر كما قامت على الغائب فقبلت على العتق، وصار الحاضر في إنكار العتق خصمًا عن الغائب. وإذا شهد أحد الشركاء في العبد على أحد شريكيه أنه أعتق نصيبه وشهد الشريك الآخر على الشاهد الأول أنه أعتق نصيبه فالقاضي لا يقضي على واحد منهما بالعتق؛ لأنه لم يشهد على كل واحد منهما إلا شاهد واحد.
وإذا كان العبد بين مسلم ونصراني شهد نصرانيان على المسلم أنه أعتق نصيبه لا يقبل.
ولو شهد نصرانيان على النصراني أنه أعتق نصيبه قبلت بينته، فإن قيل: ينبغي أن لا تقبل شهادتهما على النصراني؛ لأن شهادتهما كما قامت على النصراني بالعتق قامت على المسلم بقصر اليد، قلنا: شهادتهما قامت على النصراني مقصودًا وما يثبت من قصر يد المسلم فذاك يثبت حكمًا ومثل هذا جائز.
ألا ترى أن المسلم إذا كان له عبد نصراني مأذون في التجارة شهد نصرانيان على العبد بالدين فإنه يقبل شهادتهما وطريقه ما قلنا.
فإن شهد نصرانيان على شهادة مسلمين أن النصراني أعتق العبد لا تقبل شهادتها؛ لأنهما يثبتان فعلًا على المسلم، وشهادة النصراني على ذلك لا تقبل.
ألا ترى أنه لو شهد نصرانيان أن قاضيًا من قضاة المسلمين قضى لهذا النصراني على هذا النصراني فكذا فالقاضي لا يقبل شهادتهما، وإن كانا يشهدان للكافر على الكافر؛ لأنهما يثبتان فعلًا على المسلم أولًا وهو القاضي.
وإذا شهد أبناء العبد أن المولى أعتقه على مال أو بغير مال والمولى يجحد، والعبد يدعي لا تقبل شهادتهما؛ لأنهما يشهدان لأبيهما، ولو كان المولى يدعي العتق بالمال والعبد يجحد فشهد أبناء العبد تقبل شهادتهما؛ لأن العتق يثبت بإقرار المولى فلا حاجة إلى إثباته بالشهادة، وإنما الحاجة إلى إثبات المال، والشهادة بالمال شهادة على الأب، وإذا شهد أبناء العبد على المولى أنه قال: يوم يدخل أبوكما الدار فهو حر، وشهد آخران بالدخول لا تقبل شهادة الاثنين؛ لأن العتق يجب بالحلف فصارا شاهدين للأب بالعتق.
ولو شهد الأجنبيان باليمين وشهد أبناء العبد بالشرط لا تقبل شهادتهما أيضًا استحسانًا؛ لأن العتق إن كان لا يثبت بالشرط يثبت عنده، فصارا في هذا الوجه كالشاهدين للأب.
وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر ادعى أحدهم أنه أعتق نصيبه على كذا، فقال العبد: أعتقتني بغير شيء، فشهد الشريكان أنه أعتقه على كذا فشهادتهما جائزة؛ لأن العتق قد ثبت بإقرار المولى المنازعة في المال وفيما يرجع إلى المال..... هذه شهادة منهما على عبدهما، وكذلك إن شهد آباء الشريكين أو أبناؤهما بذلك؛ لأنهما يشهدان على عبد أبويهما أو على عبد ابنيهما وكل ذلك جائز.
وإذا أعتق بعض الشركاء العبد وفي يد العبد أموال اكتسبها ولا يدرى متى اكتسبها، واختلف فيه الشركاء، والعبد قال: اكتسبته بعد العتق فالقول قوله؛ لأن الكسب حادث فيحال بحدوثهما على أقرب ما ظهر، وإنما ظهر الكسب للحال فيجعل القول قول من يدعي حدوثه في الحال، وهو العبد، ولأن العبد بعتق البعض صار مكاتبًا حكمًا عند أبي حنيفة رحمه الله فيعتبر بما لو كان مكاتبًا حقيقة، والمكاتب الحقيقي فيما في هذه بمنزلة الحر والقول قول الحر فيما في يده أنه له عند منازعة غيره إياه كذا ها هنا.
وإذا كان العبد بين رجلين، شهد شاهدان على أحدهما أنه أقر أنه أعتقه وهو موسر فالقاضي يقضي بعتقه، وكان لشريكه أن يضمنه وكان ولاء العبد له، وإن جحد ذلك إلا أن القاضي لما قضى عليه بالعتق فقد كذبه في جحوده، فالتحق جحوده بالعدم. ولو شهدوا عليه أنه أقر أنه حر الأصل فالقاضي يقضي بحريته ولا ولاء له عليه وليس لشريكه أن يضمنه، بخلاف المسألة الأولى.
والفرق: أنا نعتبر إقراره الثابت بالبينة بالثابت معاينة، ولو عاينا إقراره بالإعتاق كان ولاؤه له وكان لشريكه أن يضمن لأنه أقر بسبب الضمان وليس الولاء، ولو عاينا إقراره أنه حر الأصل لم يكن له عليه ولاء، ولم يكن لصاحبه حق التضمين؛ لأنه ما أقر..... لأن سببها على اليقين إعتاقه إياه وهو لم يقر بذلك.
ولو شهدا على إقراره أن الذي باعه قد كان أعتقه قبل أن يبيعه عتق من مال المشهود عليه؛ لأنا لو عاينا إقراره بذلك لكان يعتق عليه العبد؛ لأنه يجب إقراره بثبات فساد البيع وبطلان حق البائع في الثمن، وهذا إقرار على الغير وحرية العبد وفساد ملكه، وهذا إقرار منه على نفسه، وإقرار الإنسان على نفسه صحيح، فكذا إذا ثبت إقراره بالبينة.
وإن شهدا على إقراره أن الذي باعه قد كان دبره قبل أن يبيعه أو كانت أمة شهدوا على إقراره أنها ولدت من البائع قبل البيع، فإنه يحال بين المشتري وبينهما؛ لأنه لو ثبت إقراره بذلك معاينة كان الجواب كما قلنا؛ لأنه أقر على نفسه بقصر يده عنها وبحرية استرقاقه إياها وهذا من غلته، فيصح إقراره بذلك، فكذا إذا ثبت إقراره بالبينة، ولا يعتق واحد منهما حتى يموت البائع فإذا مات عتقا؛ لأنه لو عتق بإقرار المشتري والمشتري ما أقر بالعتق إلا بعد موت البائع، ولا تسعى لواحد منهما لأن السعاية بدل الملك وكل واحد منهما يتبرأ عن ملكهما، فيكون متبرئًا عن سعايته.
ذكر البقالي في (فتاويه) عن أبي يوسف فيمن شهد عليه رجل أنه قال سنة ست كل مملوك لي حر بعد موتي، وشهد آخر أنه قال بذلك سنة سبع، وشهد آخر أنه قال ذلك سنة ثمان ومات فيها، يعني: في سنة ثمان، وقالوا: لا ندري رقيقه، قال: من أقام من رقيقه بينة أنه كان له سنة ست عتق بشهادة الآخرين يعني الأوسط، هكذا ذكر، ومعناه أن شهود هذا الرقيق شهدوا أنه كان له سنة ست مطلقًا ولم يقولوا كان له سنة ست وقت مقالته ذلك، أما لو قالوا: إنه كان له سنة ست وقت مقالته ذلك بشهادة الأوسط، والآخر لم يعتق، ولا يعتق من كان له سنة ثمان قال ثمة، قال ذلك أيام.......
وفي آخر عتاق (الأصل): إذا قال الرجل لعبده: إن دخلت دار فلان، فأنت حر فشهد فلان وآخر أنه دخل الدار تقبل شهادتهما. فرق بين هذا وبينما إذا قال له: إن كلمت فلانًا فأنت حر، فشهد فلان وآخر أنه كلمه لا تقبل شهادتهما، والفرق أن الذي شهد أنه كلمه شاهد على فعل نفسه؛ لأن كلام العبد معه لا يتحقق إلا بحضرته وسماعه، وذلك فعل. وشهادة الإنسان على فعل نفسه لا تقبل، فخرج هو من البين فلم يبق إلا شاهد واحد، فأما صاحب (الدار) ما شهد على فعل نفسه إنما شهد على فعل العبد لا غير، لأنه لا يحتاج في دخول العبد داره إلى فعل من جهته، فكان شاهدًا على فعل الغير من كل وجه ولهذا افترقا.
إن شهد ابنا فلان أن العبد قد كلم أباهما، فإن كان الأب يدعي ذلك لا تقبل شهادتهما، وإن كان يجحد فعلى قول أبي يوسف رحمه الله: لا تقبل شهادتهما، وعلى قول محمّد تقبل، والأصل أن شهادة الابن على فعل أبيه إذا كان للأب فيه منفعة لا تقبل بلا خلاف، وإذا لم يكن للأب فيه منفعة فهو على الخلاف، وستأتي المسألة مع أجناسها في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

.الفصل الثامن في تفويض العتق إلى غيره:

إذا (قال) لأمته: أمرك بيدك ينوي العتق، فهذا على المجلس، وكذلك إذا قال لأجنبي: أمر أمتي فلانة بيدك ينوي العتق، فهذا على المجلس. ولو قال لأمته: أعتقي نفسك، فهو على المجلس ولو قال لأجنبي: أعتق أمتي فلانة فهذا على المجلس وما بعده، والجواب في العتاق في هذا نظير الجواب في الطلاق، وكذلك إذا قال لأمته: أنتِ حرة إن شئت، تعتبر مشيئتها في المجلس حتى لو شاءت بعدما قامت عن المجلس لا يعتق، ولو قال لأمة من أمائة: أنتِ حرة وفلانة إن شئت، فقالت قد شئت نفسي لا تعتق؛ لأن قوله: إن شئت، كلام لا يستقل بنفسه فينصرف إلى ما سبق ذكره، والسابق ذكره عتقها، فصار شرط وقوع العتق مشيئتها عتقهما كأنه قال لها: إن شئت عتقك وعتق فلانة فأنتما حران، فإذا شاءت عتقت نفسها فقد أتت ببعض الشرط فلا ينزل شيء من الجزاء.
قال محمّد رحمه الله في (الجامع): إذا قال الرجل لغيره: من شئت عتقه من عبيدي فأعتقه، فشاء المخاطب عتقهم جميعًا معًا عتقوا جميعًا إلا واحدًا منهم عند أبي حنيفة رحمه الله، والخيار إلى المولى، وعندهما يعتقون جميعًا، هكذا ذكر المسألة في رواية أبي سليمان. وذكر محمّد في رواية أبي حفص: فأعتقهم المأمور جميعًا معًا عتقوا إلا واحد منهم عند أبي حنيفة رحمه الله، والصحيح رواية أبي حفص؛ لأن المعلق بمشيئة المأمور الإعتاق دون العتق، وعلى هذا الاختلاف إذا قال: من شئت عتقه من عبيدي فهو حر، فأعتقهم جميعًا عتقوا عندهما.
وعند أبي حنيفة رحمه الله: يعتق الكل إلا واحد منهم، وأجمعوا على أنه لو قال: من شاء عتقه من عبيدي فأعتقه، فأعتقهم جميعًا، عتقوا جميعًا، والخلاف فيما إذا كانت المشيئة مضافة إلى المخاطب لا إلى العبيد.
وجه قولهما: أن كلمة من كلمة عامة وهي محكمة في إفادة العموم، وكلمة من كما تحتمل التبعيض تحتمل الجنس، قال الله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [الحج: 30] ويقال: باب من حديد والمراد هو الجنس فنعمل بالمحكم ونرد المحتمل عليه، ولأبي حنيفة رحمه الله: أنه وجد هاهنا ما يوجب العموم وهو كلمة من وما يوجب الخصوص وهو كلمة من فإن كلمة من للتبعيض لغة، والعمل هنا ممكن بأن يدخل جميع العبيد تحت الأمر إلا واحدًا منهم، وإنما اكتفينا بالواحد منهم في حق العمل بكلمة من؛ لأن كلمة من هاهنا مذكورة لإخراج بعض العبيد عن الجملة لأن من تتناول الكل، فكانت من لإخراج بعض ما دخل تحت الأمر، والواحد متيقن، وما زاد عليه مشكوك، فلا يخرج بالشك والاحتمال، وفي قوله: من شاء عتقه من عبيدي فأعتقه بما يوجب الخصوص غير ممكن؛ لأنا لو عملنا بما يوجب الخصوص ابتداء وجعلنا الداخل تحت الأمر بعض العبيد يلزمنا العمل بما يوجب العموم انتهاء؛ لأن البعض الداخل تحت الأمر يصير عامًا لأنه موصوف بصفة عامة، وهي المشيئة فتعم فقلنا بالعموم ابتداء قصرًا للمسافة.
أما في مسألتنا: العمل بما يوجب الخصوص في الابتداء لا يوجب العمل في الانتهاء؛ لأن الداخل تحت الأمر مطلق عن الصفة، والخارج كذلك، فلا يعم في الانتهاء فعملنا بها لهذا.
ولو قال لأمتين له: أنتما حران إن شئتما، فشاءت إحداهما فهو باطل؛ لأن معنى كلامه: إن شئتما حريتكما، فلا يتم الشرط بمشيئة إحديهما. ولو قال لهما: أيتكما شاءت العتق فهي حرة، فشاءتا جميعًا عتقا؛ لأن كلمة أي تتناول كل واحدة على الانفراد، ولو شاءت إحداهما عتقت التي شاءت، ولو شاءتا فقال المولى: أردت أحديهما صدق ديانة لا قضاء والجواب في العتق نظير الجواب في الطلاق.
وفي (المنتقى): بشرعن أبي يوسف: إذا قال لأحد: أعتق أي عبيدي شئت، فأعتق المامور كلهم جاز.
وفي (نوادر ابن سماعة) عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال لغيره: أعتق أي عبيدي شئت، فليس له أن يعتق أكثر من واحد، ولو أعتق أكثر من واحد منهم لم يقع إلا على واحد منهم.
ولو قال: كل أي هذا الطعام شئت، فله أن يأكل كله. وفرق بين العبيد والطعام على رواية ابن سماعة. وفي (نوادر بشر) عن أبي يوسف رحمه الله: الذين يشاؤون العتق منهم فهم أحرار فشاء واحد لا يعتق، وإن شاء اثنان فصاعدًا عتقوا، كأنه قال: إن شاء عبدان من عبيدي العتق فهم أحرار، وكذلك لو قال: إن دخل عبيد من عبيدي الدار فهم أحرار فدخل واحد لا يعتق، وإن دخل اثنان فصاعدًا عتقوا...
وفي (الأصل) عن محمّد: رجل قال لغيره: جعلت عتق عبدي إليك فليس له أن ينهاه، وهو إليه في المجلس كذلك لو قال: أعتق أي عبدي هذين شئت، وكذلك العتاق مما يجعل.
ابن سماعة عن محمّد رحمه الله في رجل قال لعبده: افعل في نفسك ما شئت، قال: إن أعتق نفسه قبل أن يقوم من مجلسه عتق وإن قام قبل أن يعتق نفسه لم يكن له أن يعتق نفسه بعد ذلك، وله أن يبيع نفسه وأن يهب نفسه، وأن يتصدق بنفسه على ما شاء.
هشام قال: سمعت محمّدًا يقول في رجل عاينته امرأته في جاريته، فقال لها: هو بيدك فأعتقتها المرأة، قال: إن نوى المولى العتق عتقت وإلا فلا فإن هذا على البيع، فإن قال: أمرك فيها جائز، فهذا على العتق وغيره، وفي وكالة (الأصل) الوكيل بالإعتاق بمال لا يملك أن يقبض المال إذا أعتق.
وفيه أيضًا: الوكيل بالإعتاق المطلق لا يملك التدبير والكتابة والإعتاق وعلى مال، وكذا لا يملك التعليق بالشروط والإضافة إلى الأوقات. وإذا قال لعبد: أعتق نفسك بما شئت، فأعتقه على دراهم فهو جائز إذا رضي المولى، وعلى هذا الخلع والطلاق، وهذا لأن الواحد لا يصلح وكيلًا من الجانبين في هذه العقود ما لم يكن ببدل مسمى، فصار وجود هذا التوكيل والعدم بمنزلة، ولو عدم التوكيل فقال العبد: أعتقت نفسي على كذا، أو قالت المرأة: خلعت بكذا طلقت نفسي بكذا إذا رضي به الزوج والمولى جاز وإلا فلا، كذا ها هنا، ولو كان البدل مسمى في هذه العقود، فقال العبد: أعتقت نفسي على كذا، فقالت المرأة خلعت نفسي على كذا جاز، ولا يشترط رضا المولى بعد ذلك، هكذا ذكر في (ظاهر الرواية)، فعلى ظاهر الرواية جوز توكيل الواحد من الجانبين إذا كان البدل مسمى، ولم يجوز ذلك إذا لم يكن البدل مسمى.
وروى ابن سماعة عن محمّد رحمه الله في (نوادره): أنه جوز توكيل الواحد من الجانبين (في) هذه العقود وإن لم يكن البدل مسمى، وبعض مشايخنا رجحوا رواية ابن سماعة عن محمّد رحمه الله.
وفي (الأصل): إذا قال لعبده: أنت حر فيما شئت، أو إذا شئت، أو كلما شئت، فقال العبد: لا أشاء ثم باعه ثم اشتراه شاء العتق، فهو حر. والجواب في العتق نظير الجواب في الطلاق. ولو قال: أنت حر حيث شئت، فقام من ذلك المجلس بطل العتق؛ لأن حيث لتعميم المكان لا لتعميم الزمان فبقيت المشيئة مطلقة عن الوقت، والمشيئة المطلقة عن الوقت تقتصر على المجلس، ولو قال له: أنت حر كيف شئت، فعلى قول أبي حنيفة يعتق من غير مشيئة، وعلى قولهما لا يعتق من غير مشيئة، والجواب في العتاق في هذا نظير الجواب في الطلاق، والله أعلم بالصواب.

.الفصل التاسع في التدبير:

هذا الفصل يشتمل على أنواع:

.نوع في بيان صورته وصفته وحكمه:

فنقول: التدير نوعان مطلق ومقيد، أما المطلق فصورته: أن يقول المولى لعبده: إذا مت فأنت حر ويقول..... فأنت حرًا ويقول أنت حر بعد موتي أو يقول دبرتك أو يقول أنت مدبر، والحاصل أن المدبر المطلق من تعلق عتقه بمطلق موت المولى، ومن حكمه أنه لا يجوز بيعه عند علمائنا رحمهم الله، وإنما لا نجوز بيعه؛ لأن التدبير المطلق انعقد سببًا للحرية للمال وإن تراخى حكمه إلى ما بعد الموت.
وبيان ذلك: أن العتق يثبت عند الموت، والمعتق لابد له من الإعتاق لو لم يجعله إعتاقًا للحال يحتاج إلى جعله إعتاقًا بعد الموت، والإعتاق فعل والميت ليس من أهل الفعل، فمست الضرورة إلى جعله إعتاقًا للحال، وذلك لا يمكن إلا بجعل الشرط دليلًا على حكم السبب، ومتى جعل ذلك يبقى قوله: أنت حر بلا شرط، فينعقد سببًا للحرية وإن تراخى حكمه.
إذا ثبت هذا فنقول: انعقاد سبب الحرية حق الدبر، فلو جاز بيعه لبطل هذا الحق، وإنه لا يحوز. ولو قضى قاضٍ بجواز بيعه ينفذ؛ لأن المسألة مختلفة، والموضع موضع الاشتباه.
وأما التدبير المقيد فصورته: أن يقول الرجل لعبده: إن مت من مرضي هذا فأنت حر، أو يقول: إن مت من مرض كذا أو يقول: إن مت من..... كذا، فأنت حر، وله صور كثيرة تأتي بعد هذا.
والحاصل: أن المدبر المقيد من لا يكون عتقه معلقًا بمطلق موت المولى، وهذا التدبير لا يمنع جواز بيعه، ولكن إذ لم (يكن) يبعه ووجد الشرط يعتق.
وإذا قال لعبده أنت حر يوم أموت؛ إن لم ينو النهار دون الليل كان مدبرًا مطلقًا، لأن اليوم إذا كان مضافًا إلى ما لا يتقيد بالنهار يكون عبارة عن مطلق الوقت، فكأنه قال: أنت حر وقت ما أموت. وإن نوى النهار دون الليل كان مدبرًا مقيدًا؛ لأن موته بالنهار قد يوجب وقد لا يوجد فكان بمنزلة ما لو قال: إن مت من مرضي هذا.
ولو قال لها: أنت حر بعد موتي وموت فلان، أو قال بعد موت فلان وموتي فهذا لا يكون مدبرًا في الحال، لأن المدبر المطلق من تعلق عتقه بمطلق موت المولى وعتق هذا العبد ما تعلق بمطلق موت المولى، إنما تعلق بموته وموت فلان، فإن مات فلان أولًا والغلام في ملك المولى إلى أن يصير مدبرًا مطلقًا؛ لأن بعد موت فلان يصير عتقه مطلقًا بمطلق موت المولى، فإن مات المولى قبل موت فلان لا يصير مدبرًا، وكان للورثة أن يبيعوه؛ لأن بعد موت المولى يصير عتقه معلقًا بموت الأجنبي، فيعتبر بما لو علق عتقه بموت الأجنبي ابتداء، وهناك لا يصير مدبرًا. وإذا مات المولى قبل الأجنبي يصير..... لورثته، كذا ها هنا..
ولو قال: إذا كلمت فلانًا فأنت حر بعد موتي فكلم فلانًا يصير مدبرًا بناءً على ما قلنا.
وفي (المنتقى): قال محمّد رحمه الله: عبد بين رجلين قال أحدها للعبد: إن مت أنا وفلان يعني شريكه فأنت حر لم يكن مدبرًا، وكذلك لو قال الآخر مثل ذلك فمات أحدهما صار العبد مدبرًا من الآخر.
وفي (الأصل): إذا قال له أنت حر بعد موتي إن شئت، فإن المولى ينوي في ذلك؛ لأن قوله: إن شئت يجوز أن يكون المراد منه المشيئة في الحال، ويجوز أن يكون المراد منه المشيئة بعد الموت، فإن كان المراد منه الساعة صحت نيته؛ لأنه نوى ما يحتمله لفظه. وإذا قال العبد ساعتئذ شئت يصير مدبرًا، ويصير تقدير المسألة: أنت حر بعد موتي إن شئت الساعة، وهناك إذا شاء الساعة يصير مدبرًا؛ لأن بعد المشيئة يصير عتقه معلقًا بمطلق موت المولى، وإن كان أراد مشيئته بعد الموت صحت نيته أيضًا، وتكون له المشيئة بعد الموت، وكذا إذا لم يكن له نية. ويكون له المشيئة بعد الموت، لأنه لم يذكر للموت وقتًا من حيث التصرف ولا للمشيئة من وقت، فكأنه جعل وقتها بعد الموت؛ وأيهما ذكرت بعد الموت أولى. وإذا كان له المشيئة بعد الموت في هذين الفصلين ذكر أنه لا يكون مدبرًا؛ لأنه ما تعلق عتقه بمطلق موت المولى بل بموته وبمشيئة العبد ذلك بعد ذلك، والمدبر من تعلق عتقه بمطلق موت المولى، بل بموته وبمشيئة العبد بعد ذلك، والمدبر من تعلق عتقه بمطلق موت المولى أو نقول المدبر من تعلق عتقه بمطلق موت المولى، وها هنا المتعلق بموت المولى الإيصاء بالعتق لا وقوع العتق، وهذا اللفظ يشير إلى أن هذا العبد لا يعتق، وإن شاء العتق بعد موت المولى ما لم يعتقه الوصي، وهو اختيار الفقيه أبي بكر الرازي، هكذا ذكر شيخ الإسلام المعروف بخوهر زاده رحمه الله.
وجه ذلك أنه تعذر: تعليق وقوع العتق بمشيئة توجد بعد الموت؛ لأن العتق لو وقع بمشيئة توجد بعد موت المولى إما أن يقع بحكم التدبير ولا وجه إليه؛ لأن العتق في التدبير يقع بمجرد موت المولى، وأما أن يقع بحكم اليمين ولا وجه إليه أيضًا؛ لأن العتق حينئذٍ يكون مضافًا إلى حال زوال المعلق وإنه لا يصح، وإذا تعذر تصحيح التدبير واليمين جعلناه إيصاء بالعتق إن شاء العبد؛ لأن في التدبير وصية بالعتق. فصار كأنه قال: أعتقوا عبيدي بعد موتي إن شاء، ولو صرح به يصح، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في (شرحه) أنه إذا مات المولى فشاء العبد عتقه فهو حر من ثلثه لوجود الشرط لا بالتدبير، وهذا تنصيص على أن المعلق بمشيئة العبد بعد موت العتق لا الإيصاء بالعتق.
وفي (المنتقى) ابن سماعة عن محمّد رحمه الله: إذا قال لعبده: إذا مت فأنت حر إن شئت، فالمشيئة بعد الموت، وقال أبو حنيفة رحمه الله: المشيئة على المجلس الساعة. قال محمّد رحمه الله: وكذلك إذا قال: إن شئت فأنت حر بعد موتي، فالمشيئة بعد الموت، قال: ألا ترى أنه لو قال: إذا جاء غدٍ، فأنت حر إن شئت اكتسب المشيئة إليه بعد طلوع الفجر من الغد فكذا في الموت، وسوى بين تقديم المشيئة وتأخيرها.
وذكر المعلى عن أبي يوسف رحمهما الله في (الإملاء) رجل قال لعبده: أنت حر بعد موتي إن شئت، أو قال: إن شئت فأنت بعد موتي فالمشيئة للعبد فيهما جميعًا بعد الموت في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف رحمه الله: إذا قدم المشيئة فالمشيئة للعبد الساعة، وإذا أخر فالمشيئة له بعد الموت.
وفي (المنتقى) أيضًا عن محمّد رحمه الله إذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي إن شئت ذلك بعد موتي، فقام عن مجلسه الذي علم بموت المولى فيه لم يبطل ما جعله إليه حتى يقول قد أبطلت الوصية والمشيئة في ذلك، وإن نهاه عن ذلك في حياته بطل.
وفي (الأصل): لو قال له: أنت حر بعد موتي إن دخلت الدار، لا يصلح هذا التصرف عندنا أصلًا، بخلاف ما إذا قال: أنت حر بعد موتي إن شئت. والفرق أن في فصل المشيئة صححنا تصرفه بطريق الوصية، وتعليق الوصية بالمشيئة صحيح، وتعذر تصحيح هذا التصرف بطريق الوصية لأن تعلق الوصية بدخول الموصى له الدار باطل.
وإذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي بيوم أو قال: شهر فهذا لا يكون مدبرًا، وهذا التصرف إيصاء بالعتق، حتى لا يعتق بعد موت المولى بمضي يوم أو مضي شهر ما لم يعتقه الوصي، وإذا قال: أنت حر إن مت إلى مئتي سنة فهذا مدبر مقيد يجوز بيعه؛ لأنه يتصور أن لا يموت إلى مئتي سنة.
ولو قال لعبده: أنت مدبر على ألف درهم فقبل، فهو مدبر والمال ساقط. أما هو مدبر؛ لأن التدبير على المال شرط لزومه قبول المال كالعتق على المال شرط لزومه قبول المال، وأما المال ساقط؛ لأنه لو وجبت وجبت على المدبر، ولا يجب للمولى على المدبر شيء لأن المدبر ملكه بخلاف الإعتاق على المال لأن هناك المال يجب على المعتق.
وفي (المنتقى) بشر عن أبي يوسف رجل قال لعبده: أنت مدبر على الألف درهم، قال أبو حنيفة رحمه الله: القبول إليه بعد الموت، وللمولى أن يبيعه قبل الساعة، أوْ لم يقبل. فإذا مات وهو في ملكه.....، فإن قال قد قبلت أداء الألف، وعتق كأنه قال: أنت حر بعد موتي بالألف، وقال أبو يوسف: إن لم يقبل الساعة فليس له أن يقبل بعد ذلك، وإن قبل الساعة كان مدبرًا وعليه ألف درهم إذا مات سيده، وإن لم يكن له مال غيره سعى في الأكثر من الألف ومن ثلثي القيمة وعتق المدبر يعتبر من ثلث المال مطلقًا كان أو مقيدًا، وهو مذهب عليّ وسعيد بن المسيب وشريح والحسن وابن سيرين، وقد صح برواية ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام جعل المدبر من الثلث، وقوله: وعتق المدبر يعتبر من ثلث المال أراد به بعد الدين، حتى إذا كان على الميت دين مستغرق لماله أو قيمة المدبر فالمدبر يسعى في جميع قيمته للعرف؛ لأن عتقه بطريق الوصيه والوصية..... فيجب رد عتقه، وذلك بإيجاب السعاية عليه، وإن لم يكن على الميت دين فهو حر من ثلث ماله، حتى إذا لم يكن له مال آخر سوى المدبر يسعى في ثلثي قيمته مدبرًا للورثة، فمعرفة قيمة المدبر يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وإذا (قال) لعبده: إن مت فلا سبيل لأحد عليك يصير مدبرًا، وإذا قال لعبده أوصيت لك برقبتك، فقال: لا أقبل فهو مدبر، ورده ليس بشيء، رواه ابن رستم عن محمّد رحمه الله.

.نوع آخر من هذا الفصل:

قال محمّد رحمه الله في (الأصل): إذا قال الرجل: (كل) مملوك لي حر بعد موتي، أو قال: مملوك أملكه، فهو حر بعد موتي، قال: ما كان في ملكه يوم قال هذه المقالة فهو مدبر لا يجوز بيعه وما يملكه بعد ذلك لا يصير مدبرًا، ويجوز بيعه، ولكن إذا بقي في ملكه إلى وقت الموت يعتق من ثلث ماله مع المدبرين، وقال أبو يوسف رحمه الله: ما يملكه بعد هذه المقالة لا يعتق بموته، ووجهه ظاهر. إن قوله كل مملوك لي للحال بحكم الموضع، وقوله أملكه للحال بحكم العرف، فقد أضاف عتق ما يملكه في المال إلى ما بعد الموت، فإنما يعتق ما يملكه في الحال لا ما يملكه بعد ذلك، ألا ترى أنه لو نجز فقال: كل مملوك لي حر، أو قال: كل مملوك أملكه، فهو حر، فإنما يعتق ما هو في ملكه في الحال، ولا يعتق ما يملكه بعد ذلك، ومحمّد رحمه الله يقول: باب التدبير ما صح من حيث إنه عتق مضاف إلى وقت في المستقبل؛ لأن الإضافة حصلت إلى حال زوال الملك، وإنما صحت بطريق الوصية؛ لأن إضافة الوصية إلى حال زوال الملك جائزة شرعًا نظرًا للعباد، وإذا كان جواز هذا التصرف بطريق الوصية يجب اعتبارها بالوصية.
ومن قال..... لفلان بكل مملوك لي، أو قال: بكل مملوك أملكه، ولم ينص على الحال يتناول ذلك ما يملكه للحال وما يملكه بعد ذلك كذا ها هنا، إلا أن ما يملكه في الحال يصير مدبرًا؛ لأن السبب في حقه وهو الوصية انعقد للحال، وما يملكه بعد ذلك لا يصير مدبرًا؛ لأن السبب هو الوصية لا ينعقد في حقه للحال، وإنما ينعقد عند الموت كما في المدبر المقيد.
وعن أبي يوسف برواية ابن سماعة أن الحالف لو قال: نويت كل مملوك لي يومئذٍ يدخل فيه ما يستفيده، ولم يصدق على ما في يده وهم مدبرون، قال الحاكم أبو الفضل رحمه الله: هذا خلاف الأصل، وإذا قال: كل مملوك لي حر بعد موتي لا يدخل تحته كل مملوك بينه وبين غيره؛ لأن هذا التصرف إما أن يعتبر بالعتق المنجز أو بالوصية، وبأي ذلك اعتبرنا لا يدخل تحته عبد بينه وبين غيره؛ لأن اسم المملوك لا ينطلق (على)......

.نوع آخر من هذا الفصل:

وتدبير الصبي عنده لا يصح؛ لأنه مما يضره، ويستوي فيه التنجيز والتعليق ببلوغه حتى إذا قال للصبي بقيده: إذا أدركت فأنت حر بعد موتي لا يصح، وكذلك المجنون والمعتوه الغالب لا يصح تدبيرهما، ويصح تدبير السكران، وكذا المكره على التدبير إذا دبر يصح تدبيره، وإنما يصح باعتبار العتق لا من حيث إنه وصية، فإن الوصية من المكره لا تصح، والمكاتب إذا دبر مملوكًا من كسبه لا يصح، وكذا العبد المأذون له في التجارة إذا دبر لا يصح تدبيره.
وإذا قال لغيره: دبر عبدي، فأعتقه المأمور لا يصح، لأنه أمره بعتق معلق وقد أتى بعتق منجز، وهما مختلفان.
وإذا جعل الرجل أمر عبده إلى صبي، فقال: دبره إن شئت فدبره، فهو جائز سواء كان الصبي يعقل أو لا يعقل، إن كان يعقل فظاهر، وإن كان لا يعقل فطريقه: أن يجعل كلام الصبي شرطًا لوقوع التدبير، كأنه قال لصبي لا يعقل: إن قلت إنك مدبر فهو مدبر، وقول الصبي يصلح لشرط وقوع التدبير كما يصلح شرط وقوع الحرية، وإذا جعل أمر عبده في التدبير إلى رجلين فدبره أحدهما لا يصح.
وإذا دبر عبده، ثم ذهب عقله ومات فالتدبير على حاله وإن كان فيه معنى الوصية، بخلاف ما إذا أوصى برقبته لإنسان ثم جن، ثم مات حيث تبطل الوصية. والفرق أن الوصية بالرقبة لا تقع لازمة حتى يملك الوصي فسخها قصدًا بالرجوع، وحكمًا بالبيع، فيكون لولد..... حكم للابتداء مما يمنع ابتداء الوصية يمنع بقاؤها. أما التدبير يجب له ذمةً حتى لا يملك المولى فسخه، فلا يكون لدوامه حكم الابتداء حتى يقال ما يمنع ابتداؤه يمنع بقاه.
ولو قال: يوم أدخل الدار فعبدي هذا حر بعد موتي، فذهب عقله ثم دخل الدار كان مدبرًا، وكان ينبغي أن لا يصير مدبرًا؛ لأن المعلق بالشرط عند الشرط كالمرسل، وعند الشرط هو معتق، قلنا: المعلق بالشرط كالمرسل عند الشرط، ولكن على الوجه الذي تعلق بالشرط، وقد تعلق بالشرط تدبير صحيح، فينزل عند الشرط تدبيرًا صحيحًا أيضًا.
وفي اختلاف زفر ويعقوب إذا قال لعبده: إن مت أو قتلت فأنت حر، فعل قول زفر هو مدبر؛ لأن عتقه تعلق بمطلق موت المولى حتى يعتق إذا مات على أي وجه مات، وعلى قول أبي يوسف: لا يكون مدبرًا؛ لأنه علق عتقه بأحد شيئين، فالقتل إن كان موتًا فالموت ليس بقتل، والتعليق بأحد الشيئين يمنع أن يكون..... في أحدهما خاصة، فلا يصير مدبرًا حتى يجوز بيعه، والله أعلم.

.نوع آخر من هذا الفصل:

كل تصرف يقع في الحر بحال الإجارة والاستخدام والتزويج لا يمتنع في المدبر حتى أن المولى يملك إجارة المدبر والمدبرة، واستخدامهما وتزويجهما، وكل تصرف لا يقع لحر نحو البيع والإمهار يمتنع في المدبر حتى إن المولى لا يملك بيعهما وإمهارها، وهذا لأن المدبر باق على حكم ملك المولى إلا أنه انعقد سبب الحرية في حقه، وكل (نفس) تصرف يبطل هذا السبب فالتدبير يمنع المولى عنه صيانة لحق المدبر عن البطلان، وكل تصرف لا يبطل هذا السبب فالمولى يكون مطلقًا فيه بحكم ملك الرقبة.
إذا بثت هذا فنقول: الإجارة والنكاح والاستخدام لا يبطل هذا السبب، فلا يمنع على المولى بحكم التدبير، ويجوز كتابته أيضًا؛ لأن بالكتابة لا يبطل السبب المنعقد حقًا للمدبر، بل بالكتابة يتعجل عند أداء بدل الكتابة ما كان مؤخرًا إلى يوم الموت ويجوز رهنه؛ لأن موجب الرهن هو..... بدار استيفاء، واستيفاء الدين من مالية المدبر غير ممكن، لأن استيفاء الدين من المالية يكون بطريق البيع، وبيع المدبر لا يجوز، وإذا تعذر حقيقة الاستيفاء من مالية المدبر لا يثبت به الاستيفاء واكتساب المدبر والمدبرة للمولى، وكذلك إن بيعهما ومهرهما للمولى؛ لأنهما بقيا على حكم ملك المولى كالأمة، وولاؤهما للذي دبر لا ينتقل عنه حتى إن المدبر إذا كان بين اثنين أعتقه أحدهما وهو موسر وضمن قيمته (في) نصيب شريكه عتق المدبر، ولم يتغير المولى؛ لأن العتق ها هنا ثبت من جهة المدبر في الحقيقة لا من جهة الذي أعتقه؛ لأن المعتق بأداء الضمان لا يملك نصيب الشريك ها هنا؛ لأن المدبر لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، وإنما وجب الضمان لإيثار الحيلولة بين المدبر والمولى إبراء أن يقال بأن المعتق يتملك نصيب صاحبه من المدبر ولاء، ولما كان الطريق هذا كان العتق في نصيب المدبر من جهته لا من جهة المعتق، فيكون الولاء للمدبر بهذا، والله أعلم.

.نوع آخر من هذا الفصل:

عبد بين رجلين دبره أحدهما، فعلى قول أبي يوسف ومحمّد رحمهما الله: يصير الكل مدبرًا؛ لأن التدبير عندها لا يتجزأ، وعند أبي حنيفة رحمه الله يقتصر التدبير على نصيب المدبر؛ لأن التدبير عنده متجزئ، والشريك الساكت في نصيبه خيارات خمسة، فعند أبي حنيفة: إن كان المدبر موسرًا إن شاء دبر نصيبه، وإن شاء أعتق، وإن شاء استسعاه ليعتق، وإن شاء تركه كذلك، وإن شاء ضمن المدبر قيمة نصيبه. وخيارات أربعة إن كان المدبر معسرًا: ليس له حق تضمين المدبر في هذه الصورة، كذا ذكر المسألة في عتاق (الأصل)، وذكر هذه المسألة في (الجامع الكبير)، ولم يذكر خيار العتق.
حكي عن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله أنه كان يقول: في المسألة روايتان: على رواية (الجامع) ليس للساكت أن يعتق نصيبه، وكان يأخذ بهذه الرواية ويقول بأن الساكت بإعتاق نصيبه يضر بالمدبر بتفويت منفعة الحرمة من غير حاجة إليه، ولا يجوز للإنسان أن يضر بغيره من غير حاجة، بخلاف ما لو عتق الأول نصيبه، فإن للساكت أن يعتق إذ ليس في تلك الصورة في إعتاق نصيبه إبطال حق الحرمة على صاحبه؛ إذ ليس لصاحبه حق الخدمة بعد ما أعتق نصيبه، فالخلاف ما إذا أراد الساكت أن يدبر نصيبه؛ لأنه لا يفوت على صاحبه منفعة الخدمة، بل يبقى حق الخدمة كما كان، وبخلاف ما إذا أراد استسعاء العبد فإن له ذلك، وإن كان يعتق نصيبه ويفوت حق صاحبه في الخدمة؛ لأن الاستسعاء محتاج إليه ليصل إلى بدل ملكه، فإنه تعذر عليه الوصول إلى بدل ملكه بالبيع، فكان محتاجًا إلى الاستسعاء، وإنما احتاج إليه من جهة المدبر فكأن المدبر أعتق نصيبه.
وجه رواية كتاب العتاق: أنا لو منعناه عن الإعتاق فقد أبطلنا عليه ملكه من غير عوض، فمتى أطلقنا له الإعتاق إن كان يبطل حق صاحبه في الخدمة لكن بعوض، ولا شك أن الإبطال بعوض أولى من الإبطال بغير عوض، فإن اختار الساكت التدبير في نصيبه صارت الجارية مدبرة بينهما، وكان لكل واحد منهما أن يستسعيها، وأن يستخدمها بجهة الرق.
وإن أعتق نصيبه كان للمدبر خيارات ثلاثة في نصيبه إذا (كان) المعتق موسرًا إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء ضمن المعتق قيمة نصيبه مدبرًا، وإن شاء استسعى العبد في قيمة نصيبه مدبرًا.
وإن اختار الساكت استسعاء العبد، واستسعاه في قيمة نصيبه عتق نصيبه بأداء السعاية، و(إن كان المعتق معسرًا) فللمدبر في نصيبه خيارات (إن) شاء (الله) أعتق نصيبه وإن شاء استسعى العبد في نصيبه، وليس له أن يضمن المعتق نصيبه.
وإن كان موسرًا فرق بين الاستسعاء وبين الإعتاق، فإن الساكت إذا أعتق نصيبه كان للمدبر أن يضمنه قيمة نصيبه إذا كان موسرًا، وفي الفصلين جميعًا عتق نصيبه من جهته، وإن اختار الساكت أن يترك نصيبه على حاله فله ذلك؛ لأنه استيفاء ملك، وليس فيه إبطال حق على أحد، وإن اختار الساكت تضمين المدبر وضمنه قيمة نصيبه صار نصيبَ الساكت فهو كالمدبر، ويكون نصف العبد رقيقًا ونصفه مدبرًا وكان للمدبر في النصف الذي ملكه من جهة صاحبه خيارات أربعة إن (شاء) أعتقه، وإن شاء استسعاه وإن شاء تركه على حاله؛ لأنه استفاد الملك فيه من جهة الساكت فيكون فيه مثل ما كان للساكت، والله أعلم.
قد ذكرنا أن الساكت إذا أعتق نصيبه فللمدبر أن يضمنه قيمة نصيبه مدبرًا فلابد من معرفة قيمة المدبر، وتكلم المشايخ فيه، بعضهم قالوا: ينظر بكم تستخدم هذه مدة عمره؛ لأن الباقي بعد التدبير ملك الخدمة لا غير، وبعضهم قالوا: يقوّم فائت المنافع التي تقوم بالتدبير، قالوا: وإلى هذا أشار محمّد رحمه الله في بعض الكتب.
وبعضهم قالوا: يعتبر نصف قيمته لو كان قنًا؛ لأن الانتفاع بالمملوك نوعان: انتفاع بعينه وانتفاع ببدله وهو الثمن، والانتفاع بالعين قائم وبالبدل وهو الثمن لا، فكان الباقي نصف قيمة القن، وإلى هذا مال الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله، وبعضهم قالوا: يعتبر ثلثا قيمته لو كان قنًا؛ لأن المملوك ثلث منافع الاستخدام والاسترباح بواسطة البيع، وقضاء الدين بعد موت المولى وبالتدبير يفوت الاسترباح، أما لا يفوت الاستخدام، ولا قضاء الدين بعد موت المولى لأن المدبر يسعى بعد موت السيد. وبعضهم قالوا: يسأل عن..... أن العلماء لو اتفقوا على جواز بيع المدبر بكم تشتري هذا على أن المشتري أحق بمتابعته، دون رقبته وعلى أن يعتق بموته، قالوا بمئة يجب ذلك القدر.
وإذا كانت الأمة بين رجلين قالا لها جميعًا: أنت حرة بعد موتنا، فإن هذه لا تكون مدبرة؛ لأن كل واحد منهما بما علق عتق نصيبه بموته وموت صاحبه، فيعتبر في حق كل واحد منهما، إنما لو كان الكل له وقد علق عتقه بموته وموت الأجنبي فهناك لا يصير مدبرًا للحال كذا ها هنا.
فإن مات أحدهما بعد هذه المقالة، فإن نصيب الآخر يصير مدبرًا؛ لأن عتق نصيب الآخر بقي متعلقًا بموته، وإذا صار نصيبه مدبرًا كان لورثة الميت من الخيار عند أبي حنيفة رحمه الله ما كان له لو كان حيًا؛ لأن نصيب الحي إنما يصير مدبرًا بعدما يصير ملك الميت ميراثًا لورثته؛ لأن شرط عتقه لا يتم بموته.
مدبرة بين رجلين مات أحدهما عتق نصيبه منها، وسعت للآخر في قيمة نصيبه، ولا ضمان له في تركة الميت؛ لأن الميت لو ضمن لصاحبه إما أن يضمن بالموت ولا وجه إليه أيضًا؛ لأن صاحبه..... به لما ساعده على التدبير، ولكن الجارية تسعى للحي من نصيبه؛ لأن نصيب الحي بقي مالًا متقومًا بعد التدبير، وقد..... عند المدبر لما عتق نصيب الميت، والله أعلم.

.نوع آخر من هذا الفصل:

وإذا دبر الرجل ما في بطن جاريته فهو جائز؛ لأنه لو أعتقه يجوز فكذا إذا دبره، فإن ولدت بعد ذلك ولدًا لأقل من ستة أشهر فهو مدبر، وإن ولدت لأكثر (من) ستة أشهر لا يكون مدبرًا؛ لأنا لم نتيقن بوجوده حين دبر، و(متى) وقع الشك لا يثبت التدبير ألا ترى لو أعتقه ثم ولدت بعد ذلك، لأقل من ستة أشهر كان حرًا، وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر لا يكون حرًا، فكذا في فصل التدبير.
وإذا دبر الرجل ما في أمته فليس له أن يبيع الأمة بعد ذلك وأن يرهنها، وإن مَهَرَهَا ذكر في مسألة الهبة في بعض روايات كتاب العتاق، وسوّى بينهما وبين البيع، ولم يذكر مسألة الهبة في بعض روايات كتاب العتاق، وإنما ذكر البيع والإمهار والرهن، وذكر في كتاب الهبة إذا أعتق (ما) في بطن جارية ثم باع الجارية لا يجوز، ولو وهبها يجوز، وفرق في الإعتاق بين الهبة والبيع، فمن مشايخنا من قال: في المسألة روايتان، والأصح هو الفرق بين الإعتاق والتدبير، فنقول: بعدما دبر ما في بطن الجارية كما لا يجوز البيع لا يجوز الهبة، وبعد ما أعتق ما في بطن الجارية يجوز الهبة، ولا يجوز البيع. والفرق ظاهر أن بالتدبير لا يزول الولد عن ملك المولى قبل موت المولى، وإنه متصل بالأم، والموهوب إذا كان متصلًا بما ليس بموهوب من ملك الواهب اتصالًا يقبل الفضل يمنع جواز الهبة؛ لأنه يكون بمعنى هبة المشاع، فأمّا الإعتاق يزول الولد عن ملك المولى، فالموهوب غير متصل بما ليس بموهوب من ملك الواهب، فهو كما لو وهب دار..... أن الواهب وسلمها إلى الموهوب له وهناك تتم الهبة في الدار كذا ها هنا.
فإن قيل: في فصل الإعتاق..... إن كان لا تفسد الهبة في الجارية من الوجه الذي قلتم لم لا تفسد من حيث إن الولد مستثنى شرعًا، قلنا: استثناء الولد شرعًا لا يمنع جواز الهبة، ألا ترى أنه لو استثناه شرطًا كانت الهبة جائزة في الأم.
ولو دبر ما في بطن أمته ثم كاتب الأمة يجوز؛ لأن الكتابة تعود للعتق، وثبوت حق العتق للولد لا يمنع عقد العتق في الأم، فإن وضعت بعد هذا القول ولدًا لأقل من ستة أشهر فهو مدبر مقصود بالتدبير من جهة المولى، ومكاتب تبعًا للأم، فإن أدت الأمة بدل الكتابة إلى المولى عتقا بالكتابة، وإن لم تؤد حتى مات المولى عتق الولد بالتدبير، وتبقى الأم مكاتبة على حالها، وإن لم يمت المولى ولكن ماتت الأمة يبقى الولد فيما على الأم على نجوم الأم، فإن مات المولى بعد ذلك فإن كان الولد يخرج من ثلث ماله يعتق بحكم التدبير دبرًا عن بدل الكتابة؛ لأنه مكاتب استفاد عتقًا من جهة المولى، فإن كان لا يخرج من ثلث ماله يعتق منه بقدر ما يخرج من ثلث ماله بغير سعاية بجهة التدبير، ويلزمه السعاية في الباقي من رقبته بجهة التدبير، بعد هذا يخير إن شاء مضى في الكتابة، وإن شاء مضى في السعاية بجهة التدبير، وإن كان بدل الكتابة أكثر إلا أنه نجم، والسعاية... التدبير حال، فقد..... له جهتا حرية، فيختار الأنفع في حقه. وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله.
وإذا كانت الأمة بين اثنين دبر أحدهما ما في بطنها فهو جائز وإن ولدت بعد حمل لأقل من ستة أشهر صار نصيبه مدبرًا عند أبي حنيفة، ويكون للساكت في نصيبه خيارات خمسة إن كان المدبر موسرًا.
وإن جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر لا يصير نصيبه مدبرًا، والنصف في هذه المسألة نظير الكل فيما إذا كانت الجارية كلها له.
وإذا كانت الأمة بين اثنين قال أحدهما لها: ما في بطنك حر بعد موتي، وقال الآخر للأمة أنت حرة بعد موتي، فولدت بعد هذه المقالة لأقل من ستة أشهر، فالولد كله يصير مدبرًا بينهما؛ لأنها اجتمعا على تدبيره الأول دبر نصيبه منه تدبير مقصود، والثاني دبر نصيبه منه مع تدبير الأم ولا ضمان لواحد منهما على صاحبه في الولد؛ لأن كل واحد منهما فعل في الولد مثل ما فعل صاحبه، وأما في الأم فللذي لم يدبر الأم في نصيبه خيارات خمسة، عند أبي حنيفة رحمه الله: إن كان المدبر موسرًا، وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر من وقت هذه المقالة فالولد مدبر للذي دبر الأم؛ لأن كلام الأول قد لغا؛ لأنها لم تتيقن بوجود الولد وقت تدبيره فكانت العبرة بكلام الثاني، وصار..... كأن أحدهما دبر الجارية، وهناك إذا جاءت بالولد كان الولد مدبرًا، فبعد ذلك التدبير عندهما لا يتجزأ فصار كل الجارية مدبرة للذي دبرها، فصار جميع الولد مدبرًا له أيضًا تبعًا للأم.
وعند أبي حنيفة رحمه الله: التدبير يتجزئ فيصير نصف الجارية مدبر للذي دبرها، ويصير نصف الولد مدبرًا له تبعًا للحال الجارية فإن اختار الساكت بعد ذلك، فيضمن المدبر قيمة نصيبه من الجارية فلا ضمان له على المدبر بسبب الولد؛ لأن المدبر يتملك نصف الساكت من الجارية من وقت التدبير، ولهذا يعتبر قيمتها يوم التدبير واليوم التدبير ولد.... كان جزءًا من أجزاء الجارية، فيملك المدبر نصيب صاحبه من الولد بضمان الجارية كما لو اشترى، وإن اختار الساكت استسعى الجارية في نصف قيمتها ليس له أن يستسعي الولد بعد ذلك، وإن صار نصف الولد مدبرًا إلا أنه صار مدبرًا تبعًا وإذا كان تبعًا في التدبير يكون تبعًا، في السعاية أيضًا والله أعلم.

.نوع آخر من هذا الفصل:

شهد شاهد على رجل أنه دبر هذا العبد، وشهد عليه آخر أنه أعتق هذا العبد لا تقبل شهادتهما؛ لأنهما شهدا بأمرين مختلفين، وكذلك إذا شهد أحدهما أنه أعتق بعد موته خاصة، وشهد الآخر أنه أعتقه بعد موته وموت فلان لا تقبل شهادتهما؛ لأنهما شهدا بأمرين مختلفين؛ لأن أحدهما شهد بعتق معلق بشرطين، والآخر شهد بعتق معلق بشرط واحد، وكذلك لو شهد أحدهما أنه دبر أحد عبديه، وشهد الآخر أنه دبر هذا العبد بعينه لا يقبل.
ولو شهدا أنه دبر أحد عبديه بغير عينه إن كانت الشهود في حال حياة المولى لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما يقبل. وإن شهدا بذلك بعد موت المولى، ينظر إن لم توجد المرافعة إلى القاضي في حال حياة المولى قبلت الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله استحسانًا، والقياس أن لا يقبل، وإن وجدت المرافعة إلى القاضي في حال حياة المولى وأبطل القاضي شهادة الشهود ثم شهدا بذلك بعد موت المولى لا يقبل القاضي شهادتهما عند أبي حنيفة رحمه الله قياسًا واستحسانًا؛ لأن القاضي إنما أبطل شهادتهما لتهمة الكذب لأنهما شهدا قبل الدعوى؛ لأن الدعوى من المجهول لا تتصور، والشهادة قبل الدعوى علامة الكذب في الشرع، وكل شهادة ردت بتهمة الكذب لا تقبل لهذا بعد ذلك أبدًا.
ولو شهد شاهدان على رجل أنه قال: هذا حر بعد موتي لا بل هذا قبلت الشهادة، وعتقا جميعًا من ثلثه إذا وجد الدعوى منهما بالإجماع؛ لأن الشهادة في حق كل واحد منهما قامت على إثبات الحق لمعلوم؛ لأنها قامت على تدبير الأول بعينه وقامت على تدبير الثاني بعينه، والرجوع عن الأول فهو قولنا: إن الشهادة في كل واحد منهما قامت على إثبات الحق لمعلوم، وكذلك لو شهدا أنه قال: هذا حر ألبتة، لا بل هذا مدبرًا قبلت الشهادة في حق الأول والثاني لما قلنا.
ولو شهدا أنه قال: هو حر ألبتة، أو هذا مدبر فإنه لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنها قامت للمجهول في العتق والتدبير ودعوى العتق، والتدبير شرط عنده، وإنه لا يتصور من المجهول.
ولو شهدا أنه قال: هذا مدبر وهذا وهذا، فشهادتهما للأول جائزة عندهم؛ لأنها وقعت للمعلوم وشهادتها للآخرين باطلة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنها وقعت للمجهول، فإن أقر المولى بذلك قيل له: بين التدبير في أي الآخرين ثبت؛ لأن جهالة الخصم لا تمنع صحة الإقرار؛ لأن الإقرار صحيح وغير دعوى.......
ولو شهدا أنه قال: أحد هذين العبدين مدبر لا بل هذا لأحدهما بعينه؛ فإن شهادتهما للذي عيناه مقبولة بالإجماع، وشهادتهما للأولين لا تقبل عند أبي حنيفة رحمه الله، ولكن يحلف للآخر بالله ما أراد غيره بالكلام الأول؛ فإذا حلف كان عبدًا له على حاله، وإن إقرار المولى بمقالته تلك صار للذي عينه مدبرًا من غير بيان بالكلام الآخر، ويتعين العبد الآخر للكلام الأول إن عنى بالكلام الآخر تدبيرًا مستقبلًا له ولم يكن له، وإن عنى بالكلام الآخر بيان ما ثبت الكلام الأول فإن العبد الآخر لا يصير مدبرًا، والله أعلم.

.الفصل العاشر في أمهات الأولاد:

يجب أن يعلم بأن جواز بيع (أم) الولد كان مختلفًا في الصدر الأول، فعمر وعلي رضي الله عنهما كانا لا تجواز بيعها، ثم رجع علي رضي الله عنه عن قوله، وقال بجواز بيعها ثم أجمع المتأخرون على أنه لا يجوز بيعها، وترك قول علي رضي الله عنه آخرًا، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قضى بتعليق عتق أمهات الأولاد، وأن لا يبعن، والمعنى في ذلك: أنه ثبت لها بالاستيلاد حق أن تعتق بموت المولى، قال عليه السلام: «أيما أمة ولدت من سيدها، فهي معتقة عن دبر» فقد أثبت لها رسول الله عليه السلام الاستيلاد وحقَّ أن تعتق بموت سيدها، وفي البيع إبطال هذا الحق عليها.
أو تقول بالاستيلاد ثبت لها حق العتق في الحال، قال عليه السلام لمارية القبطية حين ولدت: إبراهيم «أعتقها» ولدها، وهذا يوجب حقيقة العتق للحال، فإن لم يثبت حقيقة العتق في المال، لا أقل من أن يثبت حق العتق، وفي البيع إبطال هذا الحق عليها، ولو قضى قاضى بجواز بيعها لا ينفذ قضاؤه بل يتوقف على قضاء قاضى آخر إمضاءً وإبطالًا، وهذا لأن العلماء اختلفوا في جواز بيع أمهات الأولاد هل هو على الخلاف، بعضهم قالوا: ليس مختلفًا فيه، وهذا لأن الصحابة وإن اختلفوا فيه ولكن أجمع من بعدهم على أنه لا يجوز بيعهن، والإجماع المستأخر يرفع الخلاف المتقدم، فلم تبق المسألة مختلفًا فيها.
وبعضهم قالوا: بل هو مختلف فيه، وهذا القائل يقول: الإجماع المستأخر لا يرفع الخلاف المتقدم، فبقيت المسألة مختلفًا فيها، والعلماء إذا اختلفوا في جارية أنها على الخلاف أو على الوفاق يتوقف فيها القضاء على قضاء قاضى آخر إمضاءً وإبطالًا.
ثم اختلف مشايخنا بعد هذا الخلاف أن الإجماع المستأخر هل يرفع الخلاف المتقدم بزمن، قال بعضهم: بين علمائنا رحمهم الله (خلاف) على قول محمد رحمه الله يرفع الخلاف المتقدم، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا يرفع، وإلى هذا مال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، وبعضهم قالوا: لا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله بأن الإجماع المستأخر يرفع الخلاف المتقدم، وإلى هذا مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وإنما ينفذ قضاء القاضي ببيع أمهات الأولاد بإمضاء قضاء قاضى آخر على قول هذا القائل على قول علماءنا رحمهم الله، لا لأن المسألة مختلفة بين علماءنا رحمهم الله، بل لأن بعض العلماء مخالف علمائنا رحمهم الله في انعقاد الإجماع من المتأخرين مع الاختلاف في الصدر الأول، فبعد الإمضاء لشبهة اختلاف غيرهم إياهم في انعقاد هذا الإجماع لا بمكان الاختلاف بين علمائنا رحمهم الله. وأم الولد لا يجوز بيعها (وكذلك) الجارية التي استولدها الرجل بملك اليمين، أو بملك النكاح أو بشبهة ثم يشتريها بعد ذلك أو يملكها بسبب آخر، وهذا مذهبنا، وقال الشافعي رحمه الله: إذا استولدها بحكم النكاح، ثم اشتراها لا تصير أم ولد.
وإذا استولدها بالزنا ثم تملكها فالقياس أن تصير أم ولد وهو قول زفر، وفي الاستحسان لا تصير أم ولد له، وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله.
كذلك لو قال: تزوجت بهذه الجارية وولدت مني ولا يعلم ذلك إلا بقوله، وأنكر ذلك المولى الذي هي له، فإذا ملكها الذي أقر بهذا فإنها تصير أم ولد عند علمائنا رحمهم الله.
وإذا أسقطت أمة الرجل سقطًا استبان خلقه أو بعض خلقه صارت أم ولد له، وإن لم يستبن شيء من خلقه لا تصير أم ولد، وهذا مذهبنا، وقال إبراهيم البلخي رحمه الله: تصير أم ولد في الفصلين جميعًا.
وفي (المنتقى): قال أبو يوسف رحمه الله: وإذا أقر الرجل أن جاريته هذه قد أسقطت منه، فهذا إقرار أنها أم ولده، قال: إنما يقع اسم السقط على ما تبين خلقه، أما إذا لم يتبين خلقه فلا يسمى سقطًا؛ لأنه لا يدرى ما هو.
وإذا كان جارية الرجل حاملًا فأقر أن حملها منه فإنها تكون أم ولد له. وكذلك إذا قال الرجل: إن كانت أمتي حبلى فهو مني، ثم ولدت ولدًا أو أسقطت سقطًا استبان خلقه، أو بعض خلقه وأقر به فإنها تصير أم ولد له إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، وإن أنكر المولى الولادة وشهدت عليه امرأة جاز ذلك ويثبت النسب وتصير الجارية أم ولده لا بشهادة القابلة، بل بإقرار المولى.
وفي (المنتقى) بشر عن ابن الوليد عن أبي يوسف رحمه الله: رجل قال لأمته: قد حملت مني حملًا أو قد حبلت مني بحمل، فلا تصير أم ولد له ولا يصدق بعد ذلك أنه كان ريحًا وكذلك لو صدقته الأمة أنه كان ريحًا لم تبطل مقالته الأولى، وهي بمنزلة أم الولد، وهذا بمنزلة الرجل أعتق أمته ثم قال: لم أعتقها وصدقته الأمة لم يبطل عتقها.
وفيه أيضًا: رجل أقر أن ما في بطن جاريته منه، أو قال: الذي في بطنها مني ولم يتبين ذلك إلى حبل ولا إلى ولد، ثم قال بعد ذلك إنها كانت ريحًا وصدقته الجارية فهي أمة تباع، وإن كذبته في مقالته الأخيرة وادعت أن ذلك كان حبلًا، وأنها قد أسقطت سقطًا مستبين الخلق فالقول قولها وهي أم ولد له؛ لأن هذه المقالة على وجهين: أوجههما أنه على الحبل إذا ادعته، ألا ترى أنها لو جاءت بولد بعد مقالته بشهر وامرأة تشهد على ولادته ثبت نسبه لم يكن له أن يبيعه، ولو لم (تكن) المقالة الأولى إقرارًا بالحبل كان له أن يبيعه.
رجل أقر أن أمته حبلى ثم جاءت بولد لأكثر من سنتين، وشهدت امرأة على الولادة، وقالت الأمة: هذا الولد من ذلك الحبل وجحد المولى أن يكون هذا (من) ذلك الحبل فالأمة أم ولد له، ولا يثبت نسب الولد منه وهو بمنزلة أمته، وإن أقر المولى أنه ذلك الحبل وأنه منه وقد جاءت به بعد ذلك بعشر سنين فهو ابنه، وقوله من ذلك الحبل باطل، ولو شهد عليه شاهدان في أمته، فشهد أحدهما أنه قال: قد ولدت مني، وشهد الآخر أنه قال: هي حبلى مني فهي أم ولد، فقد أجمعا عليه، وكذلك لو شهد أحدهما أنه أقر أنها ولدت غلامًا وشهد الآخر أنه أقر أنها ولدت جارية.
وعتق أم الولد يعتبر من جميع المال، بخلاف عتق المدبر يعتبر من الثلث، وفي كل ذلك اتبعنا الأثر، والمعنى في ذلك أن التدبير إضافة العتق إلى ما بعد الموت بجزء إن جعلناه سببًا للحال لضرورة أنه لا يمكن اعتباره إعتاقًا بعد الموت، إلا أن المعتق تأخر إلى ما بعد الموت فكان المدبر مملوكًا للمولى من كل وجه وقت الموت، فيعتبر عتقه من الثلث بخلاف أم الولد؛ لأن الأصل في الاستيلاد أن يوجب العتق للحال لا نسيئة، وقد صح بلا تعليق فيه فما ينبغي أن يكون حكمه معلقًا إلا في حق ما انعقد الإجماع عليه، والإجماع انعقد على تعلق الحرية في حق الاستمتاع والاستخدام دون غيره من الأحكام فلا يظهر (كونها، فهو له وقت للمولى موت فيما) عدا الاستمتاع والاستخدام، فلا يعتبر عتقها من الثلث، وإذا أقر في صحته أن أمته قد ولدت منه فإنها تصير أم ولد له فيكون عتقها من جميع المال، سواء كان معها ولد أو لم (يكن) وإن أقر ذلك في مرضه إن كان معها ولد فكذلك الجواب تصير الجارية أم ولد له، وتعتق من جميع المال، وإن لم يكن معها ولد لم يصح الإقرار بالاستيلاد، بل تعتبر وصية حتى تعتق من ثلث المال.
وإذا استولد الرجل مدبرته صح الاستيلاد وبطل التدبير. ومعنى قوله: بطل التدبير أنه لا يظهر حكم التدبير بعد ذلك؛ لأن حكم التدبير أن يعتق من الثلث، وهذا يعتق من جميع المال، فكان في الاستيلاد ما في التدبير وزيادة، فلا يظهر حكم التدبير، وإذا لم يظهر حكم التدبير فكأنه بطل وإذا زوج أمة ولده من رجل جاز. يجب أن يعلم بأن المولى من الاستمتاع والتصرف في أم الولد ما يكون له في المدبرة؛ لأن الثابت لها في الحال حق الحرية والثابت للمدبرة سبب الحرية، فأما الملك في الحال فغير زائل، والملك مطلق في التصرف وصيانة حقهم واجب، فكل تصرف يؤدي إلى إبطال حقهما كالبيع والهبة وما أشبه ذلك يمنع منه وما لا فلا، والتزويج لا يبطل هذا الحق، فلا يمنع عنه، وما ولدت من الأولاد من الزوج يكون بمنزلتها يعتق بموت السيد بمنزلتها. وإذا استولد الرجل جارية بالنكاح، ثم فارقها فزوجها المولى من غيره فولدت من زوجها الثاني، ثم اشترى الزوج الأول الجارية مع ولدها من الزوج الثاني تصير الجارية أم ولد له حتى لا يجوز بيعها.
وفي بيع ولدها خلاف، على قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله: يبيعها، وعلى قول زفر: لا يبيعها، ولو ملك ولدها منه يعتق بلا خلاف. والوجه لعلمائنا الثلاثة رحمهم الله في ذلك: أن الملك شرط ثبوت حق الحرية لها، والسبب لا يفيد الحكم قبل وجود الشرط، فلم يثبت لها حق الحرية قبل أن يملكها وكل ولد ينفصل قبل يوم الحرية للأم لا يثبت له حق الحرية؛ لأن ثبوته في الحكم للولد بحكم السراية عن الأم، فلا يتصور ثبوته في الولد قبل ثبوته في الأم، بخلاف ما لو ملكها فولدت ولدًا؛ لأن هناك الحق ثابت في الأم حال ولادتها من غيره فيسري إلى الولد، أما ها هنا بخلافه.

.نوع آخر من هذا الفصل:

أمة بين رجلين جاءت بولد، فادعاه أحدهما يثبت نسب الولد، وصارت الجارية كلها أم ولد له بلا خلاف، أما على قولهما: فلأن الاستيلاد عندهما لا يتجزأ، فإذا ثبت حكمه في نصيب المستولد يثبت في نصيب الآخر. وعند أبي حنيفة رحمه الله الاستيلاد متجزئ لأن حكمه ثبوت حق الحرية بالعتق للحال، وثبوت حقيقة العتق بعد الموت، فكان كالتدبير والتدبير عنده متجزئ، فكذا الاستيلاد فيصير نصيب المستولد أولًا أم ولد له، ثم يملك نصيب صاحبه بالضمان بعد الاستيلاد، فيصير نصيب صاحبه أم ولد له بعدما يملك عليه نصيبه لا بنفس الاستيلاد على ما مر قبل هذا: أن من ملك جارية ولد منها ولد ثابت النسب صارت الجارية أم ولد له، فيصير نصيب الساكت أم ولد له بهذا الطريق، حتى قال أبو حنيفة رحمه الله في المدبرة بين رجلين استولدها أحدهما يبقى نصيب الساكت مدبرًا كما كان، ونصيب المستولد يصير أم ولد حتى إذا مات المستولد يعتق نصيبه من جميع المال.
وإذا مات الساكت يعتق نصيبه من الثلث؛ لأن بعد ما صح الاستيلاد ولم يملك نصيب شريكه بالضمان، فبقي حكم الاستيلاد مقصورًا على نصيبه، إلا أنه فرّق بين الاستيلاد والتدبير والإعتاق بأن أحد الشريكين إذا أعتق الجارية أو دبر لا يملك نصيب الساكت إلا برضاه، فإن الساكت إذا لم يرض يتضمين المدبر، ولكن أراد أن يترك نصيبه في التدبير كذلك، أو يعتق فله ذلك، وإذا استولده أحد الشريكين الجارية يملك نصيب الساكت بعد ما صح الاستيلاد في نصيب المستولد رضي الساكت بذلك أو سخط.
وإذا كانت الجارية بين رجلين جاءت بولد فادعياه حتى يثبت النسب منهما وصارت الجارية أم ولد لهما تخدم كل واحد منهما يومًا كما كانت تفعل قبل، فإذا مات أحدهما عتقت، ولا ضمان للشريك في تركة الميت بالاتفاق، ولا سعاية عليها في نصيب الشريك عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما تسعى في نصيب الشريك.
ولو أعتقها أحدهما في حياته عتقت، ولا ضمان على المعتق للشريك ولا سعاية عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما: ضمن نصف قيمتها أم ولد للشريك إن كان موسرًا، وإن كان معسرًا يسعى في نصف قيمتها أم ولد للشريك، وهذه المسألة في الحاصل بناء على أن أم الولد مال متقوم عندهما، خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، وعن هذا قال أبو حنيفة رحمه الله: أم الولد لا تضمن بالغصب، وقالا: تضمن بالغصب؛ لأن ضمان الغصب يختص بمال متقوم بخلاف ضمان العقل، فإنه لا يختص بمال متقوم، ألا ترى أن........من بالقتل.
وعن محمد رحمه الله في (الرقيات) أن أم الولد تضمن بالغصب على نحو ما يضمن به الصبي الحر حتى لو مات حتف أنفه لم يضمن الغاصب شيئًا، ولو مر بها إلى مسبعة فافترسها سبع، فإن هذا يضمن؛ لأن هذا يضمن جناية لا ضمان الغصب، ألا ترى أن الصبي الحر يضمن بمثله.
ولا خلاف لأحد أن المدبر مال حتى يضمن بالغصب والإعتاق بلا خلاف، هما يقولان بأن التقوم حق الملك، والملك باقٍ بعد الاستيلاد، فتبقى حقيته وهو التقوم، ولأبي حنيفة رحمه الله أن المالية والتقوم يثبت بالإحراز، ألا ترى أن الصيد وسائر الأشياء المباحة لا تكون مالًا متقومًا قبل الإحراز، وبعد الإحراز تصير مالًا متقومًا.....، باعتبار الأصل ليس بمال، ولكن يعطى له حكم المال، والتقوم إذا صار............، ولأصل المالية فإذا حصنها واستولدها فقد أظهر أن إحرازه لها لملك المنفعة، لا لأصل المالية، وملك المتعة ينفك عن ملك المالية، ألا ترى أن للزوج على المنكوحة ملك المتعة لا ملك المالية، فصار في حق المالية والتقوم كأنه لا إحراز بخلاف فصل المدبر؛ لأن إحرازها للمالية إذا لم يظهر منه ما يدل على إحرازها بملك المتعة أو لمعنى آخر؛ ولأن الباقي للمولى على أم ولده ملك الحرمة والمنفعة، وكل ذلك لا يضمن بالغصب والإتلاف، والباقي له على مدبرته ملك المالية، فإنه يقضي دينه من ماليتها بعد موت المولى، فإنها تسعى والمال يضمن بالإتلاف.
ثم في هذا المقام يحتاج إلى معرفة قيمة أم الولد وقد اختلفوا فيه، بعض مشايخنا قالوا: نصف قيمتها فيه، وقال بعضهم: ثلث قيمتها فيه؛ لأنه فات في حقها من المنافع الثلثان منفعة الاسترباح، ومنفعة قضاء الدين بعد الموت، فإنها لا تسعى، وبقي منفعة واحدة وهي منفعة الاستفراش، وقال بعضهم: ينظر....... مدة عمرها على نحو ما ذكرنا في المدبرة.
وإذا كانت الأمة بين رجلين فقال أحدهما: إن كان في بطنها غلام فهو مني، وإن كانت جارية فليست مني، وقال الآخر: إن كان في بطنها جارية فهو (مني) وإن كان غلامًا فليس مني، فهذا على وجهين:
الأول: أن يخرج الكلامان منهما معًا، وفي هذا الوجه ما ولدت من ولد في ذلك البطن فهو لهما جميعًا سواء ولدت جارية أو غلامًا؛ لأن كليهما ادعيا الحبل، وليس إليهما تعيين صفة الحبل، وهذا لأن الدعوة إخبار عن نسب ثابت وليس بإثبات نسب مبتدأ؛ لأنه إخبار أن العلوق حصل من..... فإنما يصح بقدر ما بهما من العلم، ولهما علم بأصل الحبل.... يدل عليه، أما لا علم لهما بصفة الحمل فيصح منهما الإخبار عن أصل الحمل، ولا يصح منهما تعيين صفته فكأنهما قالا: ما في بطن هذه الجارية مني ولو قالا هكذا وخرج الكلامات معًا ثبت نسب الولد منهما وصارت الجارية أم ولد لهما كذا ها هنا، بخلاف قوله: إن كان في بطنها غلام فهو حر وولدت جارية حيث لا يعتق؛ لأن قوله فهو حر إيقاع عتق مبتدأ، فإنما يقع حسب ما أوقعه أو إنما أوقعه هو على الغلام دون الجارية، هذا إذا خرج الكلامان منهما معًا.
وإن سبق أحدهما بمقالته ثم ولدت ولدًا غلامًا أو جارية لأقل من ستة أشهر من وقت المقالتين جميعًا، فهو ولد الذي سبق بهذه المقالة غلامًا كان أو جارية؛ لأن..... كل واحد منهما صادفت حملًا موجودًا وإحداهما سابقة فتكون هي أولى كما بعد الانفصال.
وإن مات الولد لستة أشهر من وقت المقالة الأولى، ولأقل من ستة أشهر من وقت المقالة الثانية فهو ولد الثاني، وإن جاءت به لستة أشهر من وقت المقالتين لم يثبت نسبه من واحد منهما إلا أن يجدد الدعوى؛ لأن دعوة كل واحد منهما معلقه بالخطر، فإنها معلقة بحبل حادث، وتعليق الدعوة بالخطر باطلة.
وإذا كاتب الرجل أم ولده فجاءت بولد في مكاتبتها ثم مات (المولى) قبل أن يقر به، ينظر إن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ كاتبها ثبت نسبه من المولى، وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدًا منذ كاتبها لا يثبت نسبه من المولى؛ لأن فراش المولى زال عنها بالكتابة لا إلى عدّة فإنه لم يجب عليها عدة بالكتابة، والفراش متى زال لا إلى عدة ثم جاءت بالولد إن جاءت لأقل من ستة أشهر منذ زال الفراش يثبت النسب من صاحب الفراش من غير دعوى، وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدًا لا يثبت النسب من صاحب الفراش إلا بالدعوى، كما لو طلق امرأته قبل الدخول بها، والله أعلم.

.الفصل الحادي عشر في المتفرقات:

قال محمد رحمه الله في (الأصل): إذا قال الرجل لأمته: أمرك بيدك ينوي به العتق يصير العتق في يدها، حتى لو أعتقت نفسها في المجلس عتقت، ولو قال لها: اختاري ينوي العتق لا يصير العتق في يدها فقد فرق بين الأمر باليد، وبين قوله اختاري في باب العتق وسوى بينهما في الطلاق.
وفي (الأصل) أيضًا: إذا ادعى العبد أو الأمة العتق على مولاه، وليس لها بينة حاضرة فإنه يدفعه إلى مولاه، ولا يحال بينه وبين المولى حتى لا تزال يد المولى عنه لمجرد الدعوى، وإن أقام شاهدًا واحدًا، فإنه ينظر إن كان الشاهد، فالدعوى وإن أقام فاسقًا لا يحال بينهما العبد والأمة في ذلك على السواء وإن كان غلامًا، فكذلك لا يحال بينهما، هكذا ذكر محمّد رحمه الله في (الكتاب).
قالوا: وهذا الجواب مستقيم في العبد غير مستقيم في الأمة، فقد ذكر محمّد رحمه الله أن المرأة إذا ادعت طلاقًا على زوجها، لأن..... في الطلاق حق الله تعالى وهذا المعنى موجود في الأمة فيجب الحيلولة اعتبارًا بحق الله تعالى، ولا يجب القضاء لأن فيه حق العبد كما في الطلاق، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وهذا إذا دعت أن شاهدها الآخر الحاضر بخلاف العبد؛ لأن..... في عتق العبد حق العباد ولا يجب الحيلولة كما لا يجب القضاء.
وإن أقام شاهدين، فإن كانا مستورين فهو على وجهين إن كان المولى فاسقًا مخوفًا عليه يحال بينهما في العبد والأمة جميعًا، فإن لم يكن المولى فاسقًا مخوفًا عليه ففي الأمة يحال، وفي العبد لا يحال. وإن كان الشاهدان فاسقين، مع الأمة يحال على كل حال، وأما في العبد اختلاف الروايتين، ذكر في رواية أنه لا يحال، وذكر في رواية أخرى أنه يحال إذا كان المولى مخوفًا على العبد. وفي (البقالي) إذا قال لعبده أنت حق إليه ومات قبل قبوله الهبة مات عبدًا لأنه حقه.
وفي (الأصل): إذا قال إن اشتريت عبدًا أو قال: كل مملوك أملكه فهو حر فاشترى عبدًا مع آخر، فإنه لا يعتق فإن اشترى نصيب صاحبه بعد ذلك عتق عليه، فإن اشترى نصف عبد وباعه ثم اشترى النصف الأخير هل يعتق النصف الآخر؟ ففيما إذا عقد يمينه بلفظة الملك بأن قال إن ملكت إن عنى العبد بأن قال: ملكت هذا العبد يعتق النصف الآخر، فإن لم يعتق بأن قال: إن ملكت عبدًا إن ملكت مملوكًا القياس أن يعتق النصف بالآخر. وفي الاستحسان لا يعتق. وفيما إذا عقد يمينه بلفظة الشراء يعتق النصف الآخر سواء عين المملوك بأن قال: إن اشتريت هذا العبد إن اشتريت هذا المملوك، أو لم يعين بأن قال إن اشتريت عبدًا إن اشتريت مملوكًا.
وجه القياس في فصل الملك: أن الحالف جعل شرط الحنث مطلق ملك العبد لا ملكًا مقيدًا بصفة الاجتماع، وقد ملك العبد وإن ملكه متفرقًا، لكن تعذر إنزال العتق في النصف الذي زال ملكه، فيجب إنزاله في النصف الذي هو على ملكه.
وجه الاستحسان: وهو الفرق بين الشراء والملك وبين المعين وغير المعين في الملك في العرف، ووجه ذلك أن قبل الاجتماع في فصل الملك إذا لم يكن المملوك معينًا ثابتًا، فالفرق أن الرجل يستجيز من نفسه أن يقول: ما ملكت مملوكًا ما ملكت عبدًا، إذا لم يجتمع في ملكه مملوكًا، وإن ملك مملوكًا على التفاريق، وكذلك يستجيز من نفسه أن يقول: ما ملكت ألف درهم إذا لم يجتمع في ملكه ألف درهم، وإن ملك ألوفًا على التفاريق، ومثل هذا الفرق لم يوجد في المعين بل العرف في المعين بخلافه، فإن الإنسان لا يستجيز من نفسه أن يقول: ما ملكت هذا العبد إذا ملكه على التفاريق، وكذلك في فصل الشراء العرف بخلافه، فإن الإنسان لا يستجيز من نفسه أن يقول: فما اشتريت عبدًا، ما اشتريت هذا العبد، إذا كان اشترى على سبيل التفاريق، وإذا انعدم العرف المقيد بقيد الاجتماع في فصل الملك عند التعيين وفي فصل الشراء على الإطلاق يحمل فيها بقضية القياس.
وفي (الأصل) أيضًا: إذا قال إن اشتريت فلانًا فهو حر، فاشتراه شراءً فاسدًا لم يعتق إذا كان العبد في يد البائع وقت الشراء، وهذا لأن الشراء الفاسد منعقد عندنا قبل القبض إلا أنه لا يفيد الملك قبل القبض فينحل اليمين بنفس الشراء وفي تلك الحالة لا يحنث، فلهذا لا يعتق.
ولو كان في يد المشترى وقت الشراء، فإن كان مضمونًا عليه بضمان القيمة كالمغصوب ونحوه يعتق، ويصير قابضًا له بنفس الشراء، فإن مثل هذا القبض ينوب عن قبض الشراء فيصير مملوكًا له بنفس الشراء فيعتق، فأما إذا لم يكن مضمونًا عليه أصلًا كالوديعة والعارية أو كان مضمونًا عليه إلا أنه لم يكن مضمونًا عليه بالقيمة، كالرهن لا يعتق؛ لأن مثل هذا القبض لا ينوب عن قبض الشراء فتنحل اليمين بالشراء ولا ملك في تلك الحال فلا يعتق.
وعن محمّد رحمه الله: إذا قال لعبده نسيت عتقك أو رضيت جاز قال ابن رستم يعتق، وروى بشر عن أبي يوسف قوله نسيب عتقك وشرط النية فيه لوقوع العتق.
وفي (البقالي) إذا قال لعبده أنت حر أمس وإنما يملكه اليوم فهو حر قضاء أو ديانة، إلا أن ينوي عتقًا من جهته فيدين، وكذلك قبل أن أشتريك بخلاف قوله أعتقتك قبل اشتريتك.
وفي طلاق (المنتقى) عن أبي يوسف: إذا قال لعبده أنت حر أمس، وقد اشتراه اليوم إنه يعتق، قال: ولا يشبه هذا الطلاق قال فصار تقدير مسألة العتاق، كأنه قال: أنت حر الأصل.
وإذا قال: كل مملوك لي حر وله عبيد وأمهات أولاد، ومدبرون ومكاتبون عتقوا جميعًا (من) غير نية إلا المكاتبين فإنهم لا يعتقون إلا بالنية، أما لا يعتق المكاتبون من غير نية إما لأن في ملكهم قصورًا، فإنهم أحرار يدًا أو لأن في نسبهم إلى المولى قصور.
ولو قال: كل مملوك لي حر فنوى الرجال دون النساء، أو نوى النساء دون الرجال صدق ديانة لا قضاء؛ لأنه أراد الخصوص من العموم، ومن نوى الخصوص من العموم لا يصدق قضاء؛ لأنه خلاف الظاهر ويصدق فيما بينه وبين الله، لأنه نوى ما يحتمله لفظه، فالعام يحتمل الخصوص.
ولو قال: مماليكي كلهم أحرار فنوى الرجال دون النساء أو النساء دون الرجال لم يذكر هذا الفصل في (الكتاب)، قالوا: ينبغي أن لا يصدق ديانة ها هنا، فإن نوى الخصوص من العموم، والأصل في هذا: أن كلمة كل إذا ذكر بعد اسم العام بنعت الخصوص كما في قوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس} [الحجر: 30] وإذا ذكر قبل الاسم العام لا يمنع الخصوص، كما في قوله جلت قدرته {تدمر كل شيء بأمر ربها} [الاحقاف: 25]، وكان قابلًا للتخصيص؛ لأنه لم يذكر كثيرًا من الأشياء، فإنه لم يبدأ من السموات والأرض، والمعنى في ذلك أن بعد الاسم العام كلمة كل لا تذكر للتعميم، فإن التعميم ثابت بالاسم، وإنما يذكر للتأكيد ويمنع الخصوص، فأما قبل الاسم العام لا يذكر للتأكيد، لأن التأكيد صفة للاسم، ولا يتصور قبل ذكر الموصوف، فيكون اسمًا عامًا كغيرها من الأسماء، فيكون قابلًا للتخصيص.
إذا ثبت هذا فنقول: في قوله مماليكي أحرار كلمة كل ذكرت بعد الاسم العام فمنعت الخصوص، فيكون ناويًا الخصوص في لفظ لا يحتمل الخصوص فلا يصدق ديانة كما لا يصدق قضاءً، بخلاف قوله كل مملوك لي حر؛ لأن هناك كلمة كل ذكرت قبل الاسم العام، فلا يمنع الخصوص فقد نوى الخصوص في لفظ يحتمله فيصدق ديانة.
ثم إن محمّدًا رحمه الله يقول في هذه المسألة في عتاق (الأصل): إذا نوى الرجال دون النساء أو نوى النساء دون الرجال صدق ديانة لا قضاء، وفي أيمان (الأصل) قال: إذا نوى الرجال دون النساء وأجاب بما أجاب في العتاق ولم يذكر ما إذا نوى النساء دون الرجال.
حكي عن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله أنه كان يجعل في المسألة روايتان، وكان يقول: إذا نوى النساء دون الرجال لا يصدق ديانة على رواية الأيمان وعلى رواية العتاق يصدق، وإذا نوى الرجال دون النساء يصدق ديانة على الروايات كلها.
وجه ما ذكر في العتاق ظاهر: أنه نوى الخصوص من العموم فيصدق ديانة كما نوى الرجال دون النساء، وجه ما ذكر في الأيمان أن كلمة كل دخلت على المملوك، والمملوك اسم للذكر يقال للأنثى مملوكة إلا أن الأنثى تدخل في هذا الاسم تبعًا؛ إلا أنا لو صححنا نية النساء فقد جعلنا ما هو الثابت باللفظ تبعًا أصلًا، والتبع في الشيء لا يصير أصلًا في ذلك الشيء وبه فارق ما إذا قال: نويت الرجال دون النساء، والصحيح أن لا يجعل في المسألة روايتان، لكن أشبع محمّد رحمه الله الجواب في العتاق وأوجز في الإيمان، ووجه ذلك: ما ذكرنا أنه نوى الخصوص من العموم وما قال من المعنى فاسد؛ لأن المملوك مشتق من ملك يملك لا من الذكورة والأنوثة.
ألا ترى أن هذا الاسم يقع على الدار والخشب والثوب لوجود الملك، وإن كان لا يوجد الذكورة والأنوثة قلنا والملك لا يختلف بالذكورة والأنوثة، فكان كاسم الآدمي يقع على الذكر والأنثى، لأنه اسم مشتق من كونه ولد آدم والذكر والأنثى في هذا سواء، وعلى هذا لا يتأتى ما ذكر معنى الاستحالة، وإن قال أعني المدبرين ذكر في عتاق (الأصل) أنه لا يصدق قضاءً ولم يتعرض للديانة وذكر في أيمان (الأصل) الأصل أنه لا يصدق قضاءً وديانة، فمن مشايخنا من لم يجعل في المسألة روايتين، وإليه مال شيخ الإسلام رحمه الله ومنهم من جعل في المسألة روايتين وإليه مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، والأول أظهر ووجه ذلك: أنه نوى تخصيص ما ليس في لفظه؛ لأنه نوى تخصيص الوصف، فإن التدبير في المماليك حقه وبهذا يقال: مملوك مدبر ومملوك غير مدبر، وصفة المملوك غير ملفوظ بها وإنما يثبت اقتضاء، ضرورة أن المسمى لا ينفك عن الصفة فتكون نية التخصيص فيما ثبت اقتضاء، والمقتضى غير ملفوظ فهو معنى قولنا: إنه نوى تخصيص ما ليس في لفظه ونية التخصيص فيما ليس بملفوظ، فهو معنى غير صحيحة قضاءً وديانةً كان القياس أن لا يصح تخصيص الأنوثة والذكورة من هذا اللفظ؛ لأن الذكورة والأنوثة حق المماليك لا ذكر لها لفظًا وإنما يثبت اقتضاءً إلا أنا تركنا القياس ثمة لضرورة، وبيان الضرورة: أن العام قابل للخصوص..... النية، ولا يمكن التخصيص إلا باعتبار الوصف فإن المخصوص لا يمتاز عن الاسم العام إلا باعتبار الوصف، فلو لم تصح نية التخصيص في الوصف أصلًا ما أمكن تخصيص عام أبدًا وهو وضع قابل للتخصيص، فيعود إلى موضعه عنها بالنقض، وإنه لا يجوز، وهذه الضرورة تندفع متى صححنا نية التخصيص باعتبار الأوصاف الأصلية التي لا يخلو المسمى عنهافي أصل الخلقة، فبقي التخصيص باعتبار الأوصاف العارضية على أصل القياس.
إذا ثبت هذا فنقول الذكورة والأنوثة من الصفات الأصلية وأما التدبير من الصفات العارضية وعلى قول ما ذكر ما يجب أن يصح فيه التخصيص في السواد والبياض لأن السواد والبياض من الأوصاف الأصلية التي لا يخلو المسمى عنها في أصل الخلقة وعلى قياس ما روي عن محمد رحمه الله في غير رواية الأصول أنه لا يصح نية التخصيص في السواد والبياض يجب أن لا تصح نية التخصيص في الذكورة والأنوثة فيصير في تصحيح نية التخصيص باعتبار الوصف الأصلي روايتان.
وإذا قال الرجل لعبيده: أنتم أحرار إلا فلان كان فلان عبدًا وعتق من سواه؛ لأن الكلام المقيد بالاستثناء تكلم بما وراء الثنيا، وكذلك لو قال لعبدين له: أنتما حران إلا سالمًا، واسم أحدهما سالم صح الاستثناء حتى كان سالم عبدًا لما قلنا، ثم الأصل أن استثناء البعض من الكل صحيح واستثناء الكل من الكل باطل، وهذا لما ذكرنا: أن الكلام المقيد بالاستثناء تكلم بما وراء المستثنى لابد وأن يبقى بعد الاستثناء شيء ليتحقق التكلم بما وراءه.
إذا ثبت هذا فنقول: خرجت المسألتان؛ لأنه استثناء البعض عن الجملة فيها وقال: سالم حر ومرزوق حر إلا سالمًا عتقاد بطل الاستثناء؛ لأنه تكلم بكلامين كل واحد منها تام، ومستقل بنفسه حيث ذكر بكل كلام خبرًا فلا يصير أحدهما مضمومًا إلى الآخر بل يبقى كل واحد منفردًا، كأنه ليس معه غيره وكان قوله إلا سالمًا متأولًا يجتمع ما تناوله أحد كلاميه، وكان باطلًا كأنه قال سالم حر إلا سالمًا وهذا بخلاف قوله سالم ومرزوق حران إلا سالمًا؛ لأن هناك الكلام الأول ناقص لأنه لم يذكر له خبرًا فيصير مضمومًا إلى الثاني ويصير الكل كلامًا واحدًا، وكان قوله: إلا سالمًا استثناء البعض من الجملة فصح.
وإذا دعى الرجل عبدًا له يقال له سالم فأجابه عبد آخر له يقال له مرزوق فقال: أنت حر عتق مرزوق؛ لأنه أتبع الإيقاع الجواب فينصرف إلى المجيب فإن قال: عنيت سالمًا عتق سالم بنيته؛ لأن المنوي من محتملات كلامه ولكنه لا يصدق في حرف العتاق وغير مرزوق قضاءً، ولو أشار إلى عبد له سالم فقال: يا سالم أنت حر فإذا هو مرزوق عبده إلا أنه لم يجبه مرزوق عتق سالم؛ لأنه أتبع الإيقاع النداء فيقع على المنادى ولو أشار إلى شخص ظن أنه سالم لما قلنا.
ولو أن رجلًا أعتق عبدًا له أو جارية له ثم جحد العتق وأخذ من العبد غلته، أو استخدمه ووطئ الأمة ثم أقر بذلك العتق أو قامت عليه البينة، فإنه يرد على العبد ما أخذ من الغلة وضمن للجارية مهر مثلها ولا يضمن للعبد بسبب الخدمة شيئًا.
قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في (شرحه): ما ذكر من الجواب في الغلة، فذلك مستقيم فيما إذا كان العبد هو الذي أجر نفسه أو اكتسب (لأنه متى أنه كان حرًا ما لكسبها) إما إذا كان المولى هو الذي أجره فما أخذ المولى من الأجرة يكون مملوكًا له؛ لأنه وجب بعقده ولا يلزمه الرد على العبد ولكن لا يطيب للمولى ذلك؛ لأنه حصل له بسسب كسب خبيث.
وإذا قال: أحد عبيدي حر وليس (له) إلا عبد واحد عتق ذلك العبد، وإذا قال الصبي: كل مملوك أملكه إذا احتمل، فهو حر لا يصح هذا اليمين أصلًا. فرق بين هذا وبين العبد إذا قال: كل مملوك أملكه إذا أعتقت فهو حر، فإنه يصح هذا اليمين إذا كان العبد بالغًا، ولا فرق بينهما من حيث الظاهر لأن كل واحد منهما لا يملك الإعتاق للحال ثم لم يصح اليمين بالعتق من الصبي، وصح من العبد.
والفرق: أن الإعتاق من العبد إذا كان بالغًا إنما لم يصح لعدم ملكه لا لفساد عبارته، فإذا أضافه إلى ما بعد العتق، فقد أضافه إلى الملك أما الإعتاق من الصبي إنما لا يصح لفساد عبارته فيما يتضرر به لا لعدم الملك وفيما يرجع إلى فساد العبارة العتق المنجز، والعتق المضاف على السواء.
وذكر في (عيون المسائل) إذا قال الرجل لعبيده: أنتم أحرار إلا فلانًا، وفلانًا وفلانًا سماهم جملة عبيده في الاستثناء، هل يعتقون؟ لم يذكر هذا الفصل في (العيون)، فعلى قياس ما ذكرنا في (الزيادات) إذا قال: كل جارية لي حرة إلا جارية هي ثيب ثم قال: هذه ثيب، وهذه ثيب لا يعتقن وإن قلن أبكار عتقن لا بقولهن ولكن بإيجاب العتق على طريق العموم عند عدم ثبوت الوصف المستثنى، وهو الثيابة فقد صح محمّد رحمه الله الاستثناء في هذه المسألة، وإن كان مستغرقًا للكل إنما فعل هكذا؛ لأن الاستثناء تصرف في اللفظ والصفة لا في الحكم وباعتبار النظر إلى الصيغة، هذا استثناء البعض من الكل فإن قوله: كل جارية لي كما يتناول الصيغة المستثاة من يتناول غيرهن أو كن في ملكه، فكان هذا استثناء البعض من الكل باعتبار النظر إلى الصيغة فصح.
ألا ترى أنه لو قال: نسائي طالق إلا نسائي لا يصح الاستثناء. وإذا قال نسائي طوالق إلا فلانة وفلانة وفلانة وليس له من النسوة سواهن، فإنه يصح الاستثناء وإن كان هذا استثناء الكل من الكل من حيث الكلم؛ لأن هذا استثناء البعض من الكل من حيث الصيغة. وكذلك إذا قال في وصيته: ثلث مالي لفلان إلا ثلث مالي لا يصح الاستثناء، ولو قال: ثلث مالي لفلان إلا ألف درهم وثلث ماله ألف درهم لا غير صح الاستثناء، وطريقه ما قلنا.
وإذا قال الرجل في وصيته: أعتقوا عبدي الذي هو قديم الصحبة فقديم الصحبة تكلموا فيه، روي عن محمّد رحمه الله أنه قال من صحبته ثلاث سنين، واختار الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله أن يكون صحبته سنة وهو قول بعض العلماء، وبه كان يفتي محمّد بن مقاتل.
مريض قال لورثته إن بيد كان مرابنده مما بنت فهذا وصية بالعتق معنى، فينبغي أن يعتقوهم. مريض قال لورثته: أعتقوا فلانًا بعد موتي إن شاء الله صح الإيصاء، وبطل الاستثناء ولو قال: هو حر بعد موتي إن شاء الله بطل الإيجاب، وهذا استحسان وبه أخذ محمّد رحمه الله والحاصل: أن الاستثناء في الأمور باطل إن من قال لغيره بع عبدي إن شاء الله كان الاستثناء باطلًا، وكان للمأمور أن يبيعه والاستثناء في الإيجاب صحيح، والفرق: أن الإيجاب يقع ملازمًا من حيث لا يقدر على المطالبة بعد ذلك، فيحتاج إلى الاستثناء فيه حتى لا يلزمه حكم الإيجاب والأمر لا يقع؛ لأن ما فاته يقدر على إبطاله بعزل المأمور فلا يحتاج إلى الاستثناء فيه، وفي (القدوري): وأما كلمه إن شاء الله إذا دخلت فالكلام رفع حكمه أي تصرف كان.
إذا قال لمولاه: أعتقني حتى أعطيك ما تريد، فأعتقه وجب على العبد قيمته لأن هذا سؤال العتق على بدل مجهول، وفي مثل هذا تجب قيمته العبد لأن المولى....... فتعذر إيجاب البدل، فيجب رد العبد على العبد وتعذر رده صورة فيجب رده معنى بإيجاب قيمة العبد عليه.
رجل قال لغيره: جاريتي هذه لك على أن تعتق عني عبدك فلانًا فرضي بذلك ودفع الجارية إليه لا تكون الجارية له حتى يعتق العبد، كذا روى خلف بن أيوب عن محمّد رحمه الله؛ لأنه طلب منه تمليك العبد مقتضى طلب الإعتاق مقابلًا بتمليك الجارية فما لم يوجد إعتاق العبد لا يوجد تمليك العبد فلا يتملك الجارية، وفيه نظر، وينبغي أن يكتفي بمجرد القبول كما في قوله لامرأته: أنتِ طالق على أن تعطيني ألف درهم وأجابته.
رجل اشترى من آخر عبدًا شراءً فاسدًا ثم إن المشتري أمر البائع بالعتق قبل القبض فأعتقه جاز، ولو أعتقه المشتري بنفسه لا يجوز لأنه لما أمر البائع بالعتق فقد طلب منه أن يسلطه على القبض فإذا أعتقه فقد سلطه على القبض فقبضناه سابقًا عليه وصار المشتري قابضًا أيضًا فقبضناه سابقًا عليه.
رجل قال في وصيته أعتقوا خير عبيدي أو قال: أفضل عبيدي أو قال: بيعوا أفضل عبيدي وتصدقوا بثمنه على المساكين أو خير فهذا على أفضلهم في القيمة، ولو قال: أوصيت لأفضل عبيدي فهو لأفضلهم في الدين.
في (مجموع النوازل) عن محمّد رحمه الله: في رجل قال مماليكي الخبازون أحرار وله خبازون وخبازات عتقوا. وفي (مجموع النوازل) إذا قال لعبده أنت حر الساعة بعد موتي، يعتق بعد الموت. ولو قال لعبده في صحته: أنت حر من ثلث مالي من جميع المال.
وفيه أيضًا: إذا قال لغيره أعتق مدبرك هذا عني على أن لك عليّ ألف درهم أو على أني ضامن لك ألف درهم، فأعتقه لا شيء عليه قال خلف بن أيوب: سألت محمّدًا رحمه الله عن رجل قال لعبديه: أحدكما حر بعد موتي وله وصية مائة درهم ثم مات قال يعتقان جميعًا، والمائة بينهما نصفين لأن بالموت شاع العتق فيهما وتشيع الوصية أيضًا، قلت: فإن قال، ولكل واحد منهما مائة درهم قال تبطل مائة واحدة لأنها وقعت لعبد.
وسئل أبو بكر عمن قال لعبده بانتم أراد أو قال بانتم أزاد قال: يعتق كأنه قال له نصفك حر. العبد المأذون إذا اشترى جارية وأخبر المولى بذلك فقال له المولى اصنع ما شئت، فأعتقها العبد لا يجوز عتقه لأنه لا يراد بمثل هذا الكلام الإعتاق ولا يجوز عتقه ما لم يأمره بالإعتاق نصًا.
قال في أيمان (الجامع) إذا قال الرجل لامرأة حرة إذا ملكتك فأنت حرة أو قال: إذا اشتريتك فأنت حرة، ثم إنها ارتدت ولحقت بدار الحرب وسبيت فملكها الحالف عتقت عندهما، وعلى قياس قول أبي حنيفة لا تعتق فهما يجعلان الردة والحالف، والسبي مذكور في هذه المسألة تصحيحًا لإيجاب الحرية، وأبو حنيفة رحمه الله يقول غير المذكور إنما يجعل مذكورًا تصحيحًا للمذكور إذا لم يكن للمذكور صحة بدونه بحال، وللمذكور صحة بدون هذه الأشياء في الجملة بالصرف إلى ما يليق بظاهر حالها، وهو ملك النكاح والحرية عنه بالطلاق فلا ضرورة إلى جعل غير المذكور مذكورًا يوضحه: أنه أضاف الملك إلى الحرة، وأضاف الشراء إلى الحرة وملك الحرة ملك نكاح، وشراء الحرة نكاح، ولهذا لو اشترى الحرة منها كان نكاحًا فالنكاح ينعقد بلفظ الشراء والبيع على عرف، فما يصرف يمينه إليه فلا يدخل تحته الملك الحقيقي. ألا ترى أنه لو قال لمنكوحته نكاحًا فاسدًا: إن طلقتك فعبدي حر ينصرف يمينه إلى طلاق مثلها، كذا ها هنا.
ولو قال لها: إذا ارتدتت ولحقت بدار الحرب وسبيت، فملكتك فأنت حرة كان كذلك عند أبي حنيفة رحمه الله أيضًا إلا أنه لما خرج بهذه الوسائط علم أنه لما أراد به ما يليق بظاهر حالها، وإنما أراد به الملك الحقيقي فانصرف يمينه إليه ثم هذه المسألة دليل على أن المعنى اليمين بالعتق ينعقد على الحرة، فأولى أن يبقى على الحرة فلا يبطل قول من قال ببطلان اليمين بالعتق لبطلان المحلية بثبوت الحرية إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه، ثم أعتق أحدهما بعينه إن لم يكن له نية أو نوى عتقًا مستقبلًا، فإن الآخر يتعين بالكلام الأول وإن نوى بالكلام الثاني بيان ما ثبت بالإيجاب الأول، وحلف على ذلك لا يعتق الآخر، وصدق فيما ادعاه ذكره شيخ الإسلام في آخر باب المدبر. إذا قال لعبده يوم أملكك فأنت حر بعد موتي وهو يعني النهار دون الليل ثم ملكه ليلًا لم يبق مدبرًا.
والجواب في التدبير نظير الجواب في العتق. إذا قال لعبده: يوم أملكك ملكًا غير هذا.. أو يوم أشتريتك بعد هذا الملك فأنت حر بعد موتي، ثم ملكه بسبب آخر وبعد هذا الملك صار مدبرًا وإذا قال لأمتين لغيره إذا ملكتكما، فأنتما حران بعد موتي فملك إحداهما دون الأخرى لا تصير مدبرة ما لم يملكهما جميعًا.
وسئل الفقيه أبو بكر رحمه الله عن أمة قالت لمولاها أعتقني وقال لها بالفارسية ابدون كنيزكه أنا ذكر دم لا قال: لا يعتق، قال: وكذلك لو باع من امرأته تطليقة واحدة فقالت حر هذه كنز لا كون منها إجابة. وكذلك لو باع عبدًا. وسئل أبو القاسم عمن قال لله عليّ أن أعتق عبدًا، فأعتق عبدًا آبقًا قال لا يجوز كما لا يجوز في الأعمى قال الفقيه: في قياس قول علمائنا رحمهم الله يجوز، ذكره في كتاب جعل الآبق إذا أعتق عبدًا آبقًا عن كفارته لا يجوز إن كان حيًا وقت الإعتاق.
وسئل إبراهيم بن يوسف عن عبد أجبر مولاه في موضع خال، وقال: إن أنت أعتقني وإلا قتلتك فأعتقه مخافة القتل قال يعتق، ويسعى (في) قيمته. إذا قال الرجل لغيره: أعتق عبدك هذا بألف درهم، فأعتقه لا يجب على الآمر شيء؛ لأن هذا كلام محتمل يحتمل عن نفسك. ويحتمل عني فلا يقع عن الأمر بالشك، وإذا لم يقع العتق عن الآمر لا يجب عليه المال.
ولو قال: أعتق عبدك عني بألف درهم فأعتق، فإنه يعتق عن الآمر ويلزمه المال عن الآمراستحسانًا. ولو قال: كاتب عبدك عني بألف درهم، فكاتب لا تقع الكتابة عن الآمر، والوجه في ذلك أن العتق والكتابة يعتمدان الملك، وفي فصل العتق أمكن إثبات الملك مقتضيًا الإعتاق تبعًا له لأن العتق أقوى من الملك، ألا ترى أن الملك من ثبوته يحتمل البعض والرفع، والعتق لا يحتمل ذلك، فأما الملك والكتابة مستويان من حيث إن كل واحد يقبل القبض، وللملك زيادة قوة من حيث إنه يملك بحقيقة الملك من التبرعات ما لا يملك بالكتابة، فكان الملك أقوى فلا يمكن إثباته تبعًا للكتابة.
ولو قال: أعتق عبدك على ألف علي فأعتق، يلزمه المال ويقع الملك العتق عنه، ويدرج قوله عني لأن قوله على ألف درهم علي يدل عليه، فإن المال لا يلزمه لو لم يقع العتق عنه.
ولو قال: أعتق عبدك عن نفسك بألف علي فأعتق لا يلزمه المال؛ لأن العتقد هاهنا لا يقع عن الأمر وبدونه لا يلزمه المال، والطلاق في هذا يخالف العتاق، فإن من قال لغيره: طلق امرأتك بألف عليّ فإنه يصح، وقوله طلق امرأتك بألف علي بمنزلة قوله: طلق عن نفسك، لأنه لا يتصور أن يكون الطلاق واقعًا عن الأمر، فإن من قال لغيره: طلق امرأتك عني فطلق، يقع الطلاق عن المأمور دون الآمر، ثم قال في الطلاق يلزمه المال، وفي العتاق قال: لا يلزمه المال.
وكذلك إذا قال أعتق عبدك على ألف درهم أضمنها لك ففعل، لم يكن العتق عن الآمر. إذا قال الرجل لغيره: أعتق عبدك عن ولدي الصغير بألف درهم فأعتقه المأمور، فإن العتق يقع عن المأمور وتكون الولاية (له) لأن الآمر بالإعتاق عن الصغير من الأب لا يصح، فالتحق هذا الأمر بالعدم فصار صاحب العبد معتقًا عبده عن الصغير بغير أمر أحد فيقع عنه.
ولو كان للصبي عبد فقال رجل لأبيه: أعتق عبد ابنك هذا عني على ألف درهم فأعتقه الأب يقع العتق عن الآمر وعليه ألف درهم للصبي يقبضها الأب منه لأنه طلب من الأب يقع هذا العبد منه بألف درهم، والإعتاق عنه والأب يملك ذلك فإنه يملك بيع عبد ابنه الصغير من الأجنبي ويملك إعتاقه عن الأجنبي فيصح الأمر به، ويقع العتق عن الآمر وفي طلاق (المنتقى) عن أبي يوسف رحمه الله إذا قال لعبده: أنت حر أمس، وقد اشتراه اليوم إنه يعتق. قال: ولا يشبه هذا الطلاق، قال: وصار تقدير مسألة العتاق كأنه قال: أنت حر الأصل، والله أعلم بالصواب وتم كتاب العتاق بعون الله وحسن توفيقه.